كان لي صديق يحدثني عن الدين والسياسة ولا ينفك يكرر علي الموضوع ويبين لي أهميته حتى لفت انتباهي إليه وشدني إلى إبداء رأيي فيه ضمن ما أكتبه.
وأعلم تمام العلم أنني لست بالأول الذي تحدث في هذا الموضوع المهم، وبطبيعة الحال لن أكون الأخير، ولكل رأيه ووجهة نظره، أما الدين فهو مجتمع منظم من الناس الذين يرتبطون ببعضهم البعض من خلال معتقدات مشتركة، وأما السياسة فهي علاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي السلطة الأعلى في المجتمعات الإنسانية، كما أنها تعبر عن عملية صنع قرارات ملزمة للمجتمع، والحقيقة أنني لم أكن أعلم تمام العلم بالعلاقة الحقيقية بين الدين والسياسة ولكني بحثت في هذا الموضوع حتى علمته، وأحطت بجوانبه، ومن هنا أقول إنني أحترم المتدين وأحترم السياسي وربما اختلفت معهم اختلافا لا يفسد للود قضية.
وفي كثير من الأحيان تكون علاقة الدين بالسياسة علاقة تصالح وأحيانا تكون علاقة يشوبها التوتر، مع العلم أن الدين في مفهومنا يزرع القيم والأخلاق في نفوسنا، ويطهر قلوبنا، ويسير بنا نحو جادة الحق والصواب، وقد ذهب البعض إلى القول بأن «الدين لله والوطن للجميع»، وبالمصادفة كنت أقرأ رد أحد الشيوخ على سؤال مهم للغاية وهو: هل الدين يخدم السياسة أم السياسة تخدم الدين؟ أم لا علاقة لهذا بهذا؟ فكان رد الشيخ: لا فصل بين الدين والسياسة ولابد أن تكون السياسة نابعة ومشتقة ومتوافقة مع الدين، بمعنى أن ديني سياستي وسياستي ديني، فالدين والسياسة وجهان لعملة واحدة.
هكذا كان رد الشيخ، إلا أن هناك من يخالف هذا الرأي ويقول: «لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين»، ويجب الفصل بينهما، وأن لهما شأنين متباينين، وأن الدين أصبح يستغل من أجل دغدغة مشاعر البسطاء، ولا نعرف من أين جاء قول: «الإسلام دين ودولة»، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في استغلال الدين لتحقيق مآرب سياسية هدفها دنيوي.
وأقول إن الخطر كل الخطر بالتطرف في الدين والتطرف في السياسة، فالوسطية هي الأفضل، ثم إنه لا يمكن لنا فصل الدين عن السياسة ولكن الخلط بينهما خطأ فادح، خاصة إذا شرعنا العمل السياسي دينيا وقمنا باستقواء طرف سياسي معين بالدين ضد أطراف سياسية أخرى وهنا نكون وظفنا الدين للسياسة وهو نهج هش لا يدوم طويلا، ولا يستحب لرجال الدين التدخل بالسياسة أو أن يكونوا مع طرف ضد طرف، حتى لا يفتحوا أبواب النقد على أنفسهم.
وكي أكون صادقا مع نفسي ومع من يقرأ، أقول إن السياسة قوامها الدين في حالات كثيرة ما لم يتخذ الدين وسيلة لغاية وان كان كذلك فقد انتهى مفعول الدين السياسي والسياسة الدينية ومن الأفضل لأهل العلم الديني والمشايخ النأي بأنفسهم عن الدخول في دهاليز السياسة المظلمة.