من العجائب هذه الأيام أن وجهة نظرك بات تحتها خط أحمر، عند مجموعة من الناس، فأنت لست حراً في إبداء رأيك، في هذا الزمن بالذات، وإياك ثم إياك أن تغرد وتبدي رأيك وإن خالفت هذا الفرمان سمعت ما لذ وطاب من الشتائم والسباب، وبفيك التراب إن اعترضت لأنك ستفتح عليك أبواب جهنم باباً يتلوه باب، لا لجريمة ارتكبتها سوى أن تغريدتك لم ترقَ لهم، وخالفت ما يقوله غيرك، فكان جوابهم بهذه الطريقة الفجة، يريدون أن تكون مثلهم، وكأن مواقع التواصل الاجتماعي حكرا عليهم وملكية خاصة بهم، ولمن هم على شاكلتهم ممن أصبح السباب والشتائم ديدنهم ونظامهم الذي يسيرون عليه.
ومن يخالف ما يريدون أصبح العدو اللدود لهم، ومباحا أن يقولوا فيه من الصفات السيئة ما يريدون، فقد ماتت ضمائرهم، وجريمتك في ذلك رأيك المخالف لرأيهم، حتى أصبح عندهم واحد زائد اثنين يساوي خمسة ونصف، شئت ذلك أم أبيت، وبالأمس القريب غرد أحد الصحافيين المخضرمين من أرباب القلم وقدماء الكتاب، وطرح وجهة نظره في موضوع ليس بسياسي فجاءته الردود من كل حدب وصوب تنهال عليه مثل المطر وكأنه نطق كفرا، فتركوا وجهة نظره على حدة وانهالوا على شخصه سبا وشتما، رجالا ونساء، وأكثرهم لا يعرفونه شخصيا، ولم يروه مرة واحدة، ولكن «مع الخيل يا شقرا»، وقد ظنوا واهمين لضحالة فكرهم وقصر نظرهم أنهم أهانوه، ولكن الحقيقة عكس ما ظنوا لأنهم زادوا شهرته شهرة، وتضاعف عدد المتابعين له وسلطوا الأضواء عليه وأوصلوا رأيه إلى عقلاء القوم بلا قصد.
يريدون من هذا الكاتب أن يكتب ما يريدونه فقط وحكرا، ويفرضون آراءهم فرضا بمعادلة ظالمة لا يرضى بها كل عاقل وصاحب ضمير حي، لقد كرهونا في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، وبتنا نجلس في الدواوين بعيدا عن إزعاجهم، وهذا الأمر عجيب للغاية ويثير الاشمئزاز، فكيف يريدون أن نتحدث مثلما يريدون وإن تحدثنا عكس ذلك نزلت علينا رحمة الله، فلم لا تتحدث عن وجهة نظرك بعقلانية وتتقبل بعقلانية أيضا الرأي المخالف لك، ونناقش الرأيين، وما شأنك بي وبشخصيتي وبعمري وطولي وعرضي وأسرتي! ولله در المتنبي حين يقول:
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني فاضل
لقد أصبح اختلاف الرأي جريمة وصار رأيك تحت المجهر، عند بعض الناس، علما بأن الفجور في الخصومة يجعل لسان المرء بذيئا يسبق طيشه عقله ويسبق ظلمه حلمه وعدله، يتلذذ بكيل التهم جزافا وبلا دليل حتى إن كان لم يعرفك، يريدك أن تكون مثلما يشاء لا كما ما تشاء، يصادرون آراء الناس ظلما وعدوانا.
والفاجر في الخصومة غايته تبرر وسيلته ورأيه سقيم يخالف الأعراف والعقل والمنطق، لا يرعوي حتى تصيبه قارعة، وهذه الممارسات التي نراها «سمجة» ينأى الشخص العاقل بنفسه عنها ويترفع عن النزول إلى مستواها الضحل، نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سبيل الخير، ودمتم سالمين.