هذا مثل يحكي واقعا ملموسا، والأمثال لا تأتي إلا عن تجربة، فهي صور من الحياة، وقد سمعنا هذا المثل كثيرا وعايشنا قصصا كثيرة تدور في معناه الجميل، والحق انه شعور نبيل بأن تسامح من أخطأ في حقك إكراما لأخيه أو قريبه أو أسرته أو حتى تكرما وفضيلة منك، فهذه دلالة على حبك وتقديرك للشخص الذي كان سببا في تسامحك، ومعدنك الطيب، والعفو شيمة الرجال، وتحمل الأذى عزيمة وقوة، فصفة التسامح والصفح عمن أخطأ في حقك خلق إسلامي رفيع، وقد قال المولى عز وجل (فاصفح الصفح الجميل) وهو الصفح الذي لا عتاب فيه.
والعرب تقول: «لأجل عين تكرم مدينة»، وربما يكون في هذا المثل مبالغة بعض الشيء ولكنه حاصل، وقد سئل الإمام ابن الجوزي: هل لهذا المثل الدارج أصل في القرآن الكريم؟ قال: نعم، له أصل تجدونه في قول المولى عز وجل: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون - الأنفال: 33)، والمراد سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والحقيقة ان أفضل الشعر ما استخدم فيه الأمثال، ولذلك نجد أن المتنبي تفوق على أقرانه تفوقا كبيرا لأن جل أشعاره تحكي أمثالا، يقول الشاب الظريف محمد بن سليمان التلمساني:
داريت أهلك في هواك وهم عدى
ولأجل عينٍ ألفُ عين تكرَم
لقد دارى ولاين هذا الشاعر أهل من أحب، رغم أنهم بالنسبة له أعداء، ولكن لأجل عين من يحب فعل ذلك، وحتى في السياسة نجد هذا المثل واردا، وقد وقعت أحداث كثيرة تناسب هذه المقولة الرائعة، ومنها ما حدث في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في الجزائر، فقد كادت هذه القمة تفشل وينسحب المغرب منها، بسبب نشر إحدى الصحف خارطة لحدود المغرب لا تتضمن الصحراء الغربية، وهذا الأمر بالنسبة للمملكة المغربية خط أحمر، لأنها تعتبر الصحراء جزءا لا يتجزأ من ترابها، مما أغضب وفد المغرب، فهم بالانسحاب من القمة، فتدخل حينها وفد الكويت برئاسة وزير الخارجية الشيخ سالم العبدالله وأصلح الأمر، وإكراما له ولمكانة الكويت الكبيرة عندهم قبلت الجزائر والمغرب الوساطة الكويتية، وعادت أمور القمة لما كانت عليه وكأن شيئا لم يكن، ولأجل عين تكرم ألف عين، والحمد لله أن الكويت كانت ومازالت على الحياد، وهذا الموقف يعد أول اختبار لوزير خارجيتنا الجديد الشيخ سالم العبدالله، وقد نجح نجاحا كبيرا وأظهر وجه الكويت الحضاري وسياستها المعتدلة والمتزنة، والحمدلله أن القمة العربية في الجزائر كتب الله لها النجاح، والحمدلله أيضا أننا ممن ينطبق عليهم و«لأجل عين ألف عين تكرم». ودمتم سالمين.