الاختلاف ظاهرة صحية وأمر طبيعي، نجده في كل مكان، فلا غضاضة في الاختلاف ولا ضرر ولا ضرار، فتجد مثلا الأسرة الواحدة في منزل واحد تختلف فيما بينها ولا تتفق على رأي واحد ويصر كل على رأيه، والأصحاب أيضا يختلفون فيما بينهم وتتعالى أصواتهم كل له رأيه المختلف عن الآخر، ولكن هناك مجموعة من الناس تثير الدهشة، وهم مجموعة ينطبق عليهم القول السائر «خالف تعرف»، هؤلاء يحتاجون إلى من يفهم حالتهم ويبحث أسبابها ومسبباتها، ثم يبين علاجها.
فهؤلاء الناس يعشقون الظهور بشكل غير طبيعي ويحبون الشهرة فوق اللازم، بل إن الشهرة بالنسبة لهم هي غذاؤهم الرئيسي، فتجدهم يجرون خلفها، ويسعون لها، ومن أجلها يفعلون أي شيء حتى وإن كان ما يفعلونه خطأ، وهم يعلمون ذلك فلا بأس، المهم أن يعرفهم الناس ويتحدثون عنهم، وتجد أيضا شخصا يريد أن يتميز ويشار إليه بالبنان بأي وسيلة وهو في الحقيقة ليس أهلا للتميز وإنما يعيش في أحلام يقظة.
وأعود إلى المثل فقد أورده صاحب كتاب المنتقى في الأمثال.
وقال: «خالف تذكر»، فحرفته ألسنة الناس إلى «خالف تعرف»، لنفس المعنى والغرض، وأول من قاله الحطيئة الشاعر جرول بن اوس العبسي، في قصة طويلة لا تستوعبها هذه السطور، والحق أننا ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا ونحن نعاني من هذه المشكلة المزمنة، ونرى هذه النماذج وبكثرة في كل مكان، وهم أناس يسيرون عكس التيار ويحلقون خارج السرب، ويوهمون غيرهم بأنهم يسيرون على المحجة البيضاء، وفي الواقع هم خلاف ذلك، فيتعمدون مخالفة ما هو متعارف عليه ومسلم به في آرائهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم.
وقد انتشرت هذه الظاهرة انتشارا كبيرا مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد مجموعة من الناس يجتمعون على أمر مهم، ويتباحثون به، ثم يتفقون على رأي وفكرة صحيحة وصائبة 100%، وفجأة وبلا مقدمات يأتي من يأتي ويطرح رأيا يخالف الجميع ليقول للناس «أنا هنا فأين أنتم؟»، يريد أن يكون حديث الناس، كنحو قول الأعرابي: إن لم يكن لك في الخير اسم فارفع لك في الشر علما..
وذكر في أكثر من مناسبة أن د.طه حسين عميد الأدب العربي في شبابه المبكر كان يهاجم الشاعر الأديب مصطفى لطفي المنفلوطي، وبعد أربعين سنة من ذلك سأله صحافي عن سبب مهاجمته للمنفلوطي وهو من هو شعرا وأدبا ومكانة، فقال وهو مبتسم: كنت شابا يريد الشهرة على حساب كاتب كبير، ولا شك أن عقدة خالف تذكر عقدة ما بعدها عقدة، وربما تكون مرضا نفسيا يعاني منه المرء، ويحتاج إلى علاج ناجع، أما الشهرة بحد ذاتها فهي حق مشروع لكل موهوب، فمن حقه أن يسعى إليها بالطرق السليمة والسوية، وبالجد والاجتهاد، ولكن ليس من منظور «خالف تذكر». ودمتم سالمين.