الأمل في اللغة الرجاء، وهو من التثبت والانتظار، ولا شك أنه فطرة فطر الله تعالى الإنسان عليها، فما من رسول ولا نبي بعثه الله إلا وكان الأمل يحدوه أن يهدي الله قومه إلى عبادة الله وحده، وهذه الحياة التي نعيشها تسير بنا بين أمل وعمل، وهذه الآمال التي تراودنا لا تنتهي ولا تقف عند حد.
والمرء ما عاش ممدود له أمل
لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
والأمل بلا عمل أمل كاذب تسفوه الرياح، مثل الزرع بلا ماء، والنفس بطبيعتها لا تخلو من الأمل حتى يوافيها الأجل، ولولا الأمل لبطل العمل، ولكن الأمل لا يتحقق إلا في الحركة والعمل، وقد قال من سبقنا في الحركة بركة، وكل ما ينجزه المرء ويحققه كان في بدايته حلما صغيرا يراود تفكيره، وتطلعات يسمو لها ويود لو حققها الله تعالى له، ومع ذلك فالمرء العاقل لا يلهه الأمل عن طاعة الله والامتثال لما أمر واجتناب ما نهى، ولنكن على نحو قول عمرو بن العاص رضي الله عنه: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» فالدنيا تريد والآخرة تريد، وإياك والآمال الساذجة الخادعة، لأنها إذا كانت كذلك فلن تحقق أملا ولن تنجز عملا، فالتمني بلا سعي لا فائدة منه ولن تجني منه سوى الخيبة والخسران، وقد قال المولى عز وجل من قائل: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى) «النجم».
ثم إن الأمل بحد ذاته ثقة بالنفس وإيمان بأن كل شيء بيد الله، وكلما كان الإنسان آملا ومتفائلا كان مرتاح البال والضمير، والسعادة الحقيقية تجدها بالعمل إن كنت مخلصا لعملك أمينا عليه.
والأمل بحد ذاته يدفعك إلى العمل، ومن الأمل حسن ظن العبد بربه، وبه يحقق الشباب طموحهم ويؤسسون مستقبلهم، كما انه يعينك على مصاعب الحياة، ومما قاله أنس بن مالك رضي الله عنه: «إنما الأمل رحمة من الله لأمتي، ولولا الأمل ما أرضعت أم ولدا، ولا غرس غارس شجرا».
روى الطبري وغيره أنه اجتمع بفناء الكعبة المشرفة عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير وعبدالملك بن مروان ومصعب بن الزبير وعروة بن الزبير، فقال لهم مصعب تمنوا؟ فقالوا ابدأ انت، فقال: أتمنى ولاية العراقيين وأن أتزوج سكينة بنت الحسين وفاطمة بنت طلحة، فنال ما تمنى، وتمنى عروة بن الزبير أن يكون عالما في الفقه ويحمل عنه الحديث، فنال ذلك، وتمنى عبدالله بن الزبير ولاية الحرمين فحقق الله له ذلك، وتمنى عبدالملك بن مروان أن يتولى الخلافة فكان له ما تمنى، وتمنى عبدالله بن عمر الجنة وترجى له بإذن الله، أما طول الأمل فهو مذموم لأنه ينسي الآخرة، وما تنفعه دنياه إذا خرب آخرته، وهذا موضوع يطول سآتي عليه في قادم الأيام إن كان في العمر بقية.
..ودمتم سالمين.