أطالع كغيري من الناس مواضيع نقد كثيرة تكتب هنا وهناك، منها ما هو موجه لمسؤول أو عمل فني أو ظاهرة سلبية أو غير ذلك، والحقيقة أنه لا يلفت الانتباه ويشدك لإكمال ما يكتبه الناقد إلا النقد البناء والطرح الرصين، لأنك تتمتع بالقراءة وتحصل على المعلومة الصحيحة والفائدة من خلال هذا الطرح السوي، فتضطر إلى تكملته حتى نهايته، ومن كثرة ما نقرأ ونطالع بات واضحا لنا أن هناك ناقدا وحاقدا، والفرق بين هذا وذاك كبير، فالناقد هو من يبدي رأيه بأسلوب حضاري فيظهر العيوب والمحاسن، ويميز بين الغث والسمين، ويضع حلا مقبولا لإصلاح الخلل والقصور، ما يجبرك على احترام رأيه لأنه تجرد من أهوائه وميوله، وكتب بأمانة وحيادية، فأخذنا كلامه على محمل الجد، وفي كل الأحوال النقد فن جميل يدرس في المعاهد الفنية العليا، لذلك لا يمكن لكائن من كان أن يكون ناقدا حتى تتوافر فيه عوامل عدة، منها الموهبة وهي الأساس.
وكذلك التمكن من اللغة العربية، والحس المهني والبلاغة، وقوة التعبير، ومن الأهمية بمكان أن يكون محايدا، أما الناقد الحاقد إن جاز التعبير فهو الممسك العداوة والكره في قلبه، الهجومي بطبعه، ولا يخلو من الحسد والضغينة، فيفرغ كل ذلك فيما يكتبه، وهذا ما لا نتقبله، لأننا كمتابعين نتقبل النقد الصادق بكل رحابة صدر، فالخطأ في كل الأحوال وارد، وليس عيبا أن يخطئ الإنسان، ولكننا لا نتقبل ولا نقبل الناقد الحاقد، لأن بين الناقد والحاقد ضمير حي وضمير ميت وهما ليسا على وفاق، يقول أحد الفلاسفة وهو صمويل جونسون: سأظل دائما أتقبل الناقد والحاقد، فالأول يصحح مساري والثاني يزيد من إصراري، والحقيقة أنه من خلال مطالعتك لأي موضوع نقد يظهر لك بجلاء أخلاق الناقد، وتعرف ماهيته بحكم التجربة، وغالبا ما يكون هذا الصنف من الناس فاشلا في حياته، وتكون ظروفه مضطربة فيظهر منه هذا التجني غير المبرر على غيره في نقده.
ودائما ما يناقش الناقد المتمكن الفكر والموضوع بتحليل موضوعي على عكس الآخر، تجده ينتقد الشخص نفسه وليس عمله، فما شأنك أنت في شخصه، وهذا دليل قاطع على عدم فهمه ماهية النقد وطريقته الصحيحة، فالنقد للإصلاح وليس لإثارة الفتن، والعجب أن هذا الأخير له من يتابعه ويصفق له والطيور على أشكالها تقع، إن النقد عملية فكرية أصيلة، ومسؤولية أخلاقية وقيم ومفاهيم، يكشف من خلالها الناقد مواطن الخلل ويضع الحلول لها ولا بأس بالرأي المخالف إذا كان منهجيا، ودمتم سالمين.