الحظ هو النصيب والقدر، وجمعه حظوظ وأحظ ، وقد ورد ذكره بمواضع عدة في القرآن الكريم، قال الله تعالى (.. فنسوا حظا مما ذكروا به)، وكذلك قوله عز وجل (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، وقد ينال الحظ بأمر الله تعالى الصالح والطالح، والمخطئ والمصيب، ومن هنا يقول الناس: الدنيا حظوظ، ولكن هذه الحظوظ لا تأتينا وفق ما نشاء ونريد، وإنما تأتي وفق مشيئة الله تعالى، فهو المعطي والمانع، وهو الرافع والخافض، بيده مفاتيح أرزاق عباده، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، فمن فاز من الدنيا بالسهم الأخيب فلا يندبن حظه ويتلوم ويتأفف من الحياة، ولكن عليه الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين - هود: 6).
ومع ذلك فالحظ موجود في كل زمان ومكان، وإذا ابتسم لشخص ما لا يغير أحواله فحسب، وإنما يغير حتى مفاهيم حياته رأسا على عقب، فربما جعل من الذليل عزيزا والجبان صنديدا، والضعيف قويا، والصامت لسنا مفوها، حتى انهم قالوا في الأمثال: ديك الحظ يبيض، ولكن الحظ يا سادة لا يطرق باب أحد ولا يأتيك سعيا على الأقدام، وإنما يجيء بالعمل والجد، والحظ والعطاء والغنى والفقر إنما هي أرزاق يوزعها الخالق على عباده، وهي أيضا ابتلاء منه، ولنا في ذلك الكثير من الشواهد، فقد أعطى فرعون موسى الملك الكبير حتى ان الأنهار تجري من تحته، وأعطى أخاه في الشقاء قارون كنوزا ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فانظر الى خاتمة كل منهما ونهايتهما السيئة، ثم الى النار وبئس المصير، وانظروا أيضا إلى سيرة الحجاج بن يوسف الثقفي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، كان أولا معلم صبية لاحول له ولا قوة، يأكل قوت يومه بيومه، ثم أصبح شرطيا فرئيسا للشرطة ولما تبسم جده وعلا نجمه تولى الكوفة والبصرة وخراسان واليمن، وأصبح أشهر وال في التاريخ الإسلامي على الإطلاق حتى يومنا هذا، ثم تأملوا وفاته بعد قتله الرجل الصالح سعيد بن جبير، رحمه الله، لقد أصابه السرطان في أمعائه، وظل أربعين ليلة يتألم من الأوجاع ثم يغشى عليه وإذا أفاق من غشيته قال: ما لي ولسعيد بن جبير، فلم يمت حتى رأى ألوانا من العذاب وحسابه على الله، ودمتم سالمين.