هذه مقولة درجت كثيرا على ألسنة الناس، مثل قولهم لآخر: خيرا تعمل شرا تلقى، وهي ليست قرآنا منزلا ولا حديثا شريفا، لذلك فبعض هذه المقولات السائرة والأمثال الدائرة لا نقتنع بها بل نرفضها لأنها ببساطة ليست واقعية، وكل له قناعاته.
فلم لا نقول بدلا من الخير يخص والشر يعم، الخير يعم والشر يخص، لم نجعل الشر عاما والخير خاصا، ولم نجعل من هذا المثل قاعدة وواقعا عند كثير من من الناس، مع يقيننا بأن الخير يبقى خيرا والشر يبقى شرا، طال الزمان أو قصر، كما أن للخير أهله وللشر أهله، يقول عبيد بن الأبرص الأسدي:
الخير خير وإن طال الزمان به
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
إن الخير والشر يا سادة ضدان لا يلتقيان بأي حال من الأحوال، وخصمان متنافسان لا يفتآن يتصارعان في النفس البشرية منذ خلق الله الدنيا ومن عليها وإلى أن تقوم الساعة، فإذا غلب الشر الخير في الإنسان أصبحت نفسه نفسا شريرة خربة، وإذا غلب الخير الشر صارت نفسا طيبة صافية، يقول الحطيئة الشاعر:
من يزرع الخير يحصد ما يسر به
وزارع الشر منكوس على الراس
فالخير يرمز للعمل الصالح، والشر يرمز للعمل السيئ، والفيصل في رفضنا لهذه المقولة «الخير يخص والشر يعم» آيات كثيرة وردت في القرآن الكريم مثل قوله عز من قائل: (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربك بظلام للعبيد) فصلت/46، وقوله أيضا:( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) (الزلزلة) فلا يجازي الله تعالى على السيئة إلا من فعلها، وليس من لم يفعلها، وهذه قاعدة شرعية ثابتة في الثواب والعقاب، فمن يعاقب بريئا فهو ظالم له، وهذا لا يمنع أن آثار الذنوب قد تعم في الدنيا الصالح والطالح، ومع ما ذكرت فالمثل أيضا يتعارض مع قول الله تعالى أيضا: (ولاتزر وازرة وزر أخرى)، ومن هنا أقول إن هذه الجملة تكاد تكون غير مقنعة من وجهة نظري المتواضعة، فهل إذا وجدت رجلا سيئا أحكم على أسرته كلها بالسوء؟
بالطبع لا فكل شجرة تجد بها غصنا مائلا، ولا يعني ذلك أن الأسرة كلها سيئة، فما ذنبي إذا أخطأ أخي؟، وهل تحاسبني على خطأ لم أفعله؟
أمور كثيرة تخالف هذه المقولة الشهيرة يطول البحث فيها وأكتفي بما ذكرته، ودمتم سالمين.