الدنيا دار ابتلاء واختبار، والآخرة دار جزاء، ومهما بلغ الأمر شدة وهولا، فأهوال الدنيا لا تساوي نقطة في بحر أهوال الآخرة، وإن هذه الزلازل التي تقع هنا وهناك فتروعنا وتقض مضاجعنا، إنما هي ليست إلا جرس إنذار لنا، يقرع في آذاننا لتنبيهنا، فالزلازل من آيات الله العظام في هذا الكون الفسيح، يخاف منها البشر خوفا شديدا، ولا شك أنها ابتلاء من العزيز الحكيم يبتلي بها عباده تذكيرا وتخويفا أو عقوبة لهم، وفيها العبرة والعظة والدرس لنا، يقول الله تعالى (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) [الإسراء: 59].
كما قال عز من قائل: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) «فصلت»، فعلينا عباد الله ونحن نرى عظمة الله تعالى أن نتذكر ضعفنا وذلتنا وعجزنا وقلة حيلتنا وافتقارنا أمام خالقنا العظيم، فنعود الى الله، ونراجع أعمالنا.
والحقيقة أن الزلازل لم تعرف في جزيرة العرب إلا في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهي أول ما عرفت، فقد زلزلت المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، فقال عمر رضي الله عنه: يا أيها الناس ما أسرع ما أحدثتم، لإن عادت لا تجدوني فيها، أو كما قال. وقال العلماء: إنما تحدث الزلازل إذا عمل فيها بالمعاصي، فترعد فرقا من الرب عز وجل أن يطلع عليها، وقد كتب الخليفة الصالح عمر بن عبدالعزيز إلى الأمصار: أما بعد، فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد، وقد كتبت إلى سائر الأمصار أن يخرجوا في يوم كذا وكذا، في شهر كذا وكذا، فمن كان عنده شيء فليتصدق به، فإن الله تعالى يقول: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) وقولوا كما قال آدم: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) وقولوا كما قال نوح: (وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) وقولوا كما قال يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين).
ولابد هنا من الإشارة إلى أن الزلازل من علامات قرب الساعة بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاتقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج (وهو القتل) وحتى يكثر فيكم المال حتى يفيض».
وقد آلمنا وأدمى قلوبنا وأحزننا أشد الحزن ما حدث من زلازل لإخوة لنا في سورية وتركيا، وما خلفته من قتلى وجرحى ومفقودين ودمار كبير، والله المستعان، وهذا أمر الله الذي لا راد له، فلنلجأ إلى الله تعالى بالتضرع والدعاء، ولنكثر من الاستغفار وذكر الله والاستكانة والتوبة وسؤاله العافية، ولنسارع بمساعدتهم قدر استطاعتنا لعل الله تعالى أن يكشف عنهم هذا البلاء العظيم، إنه على كل شيء قدير.
ودمتم سالمين.