المثل متوارث عن الآباء والأجداد، وكل ما قاله أسلافنا حكم وعبر يستفاد منها، والعرب منذ خلقوا وكانوا أهل الأمثال، وما من مثل إلا وله قصة خلاصتها درس يستفاد منه، أما قولهم «بياع الخبل عباته» فهو مثل مقصود به الجزء الأخير من فصل الشتاء، والخبل الوارد في المثل هو غير المكترث ومن به قصور طفيف في عقله، وفي اللغة من أصابه مسّ من الجنون، ونحن لا نقصد هذا المعنى في تفسير معنى الخبل وإنما أقل، وأقرب المعاني للخبل سيئ التدبير، الذي لا يحسن التصرف، ولا يحسب للأمور حسابها، أما كلمة عباته فهي في اللغة العباءة، وتكون كساء مفتوحا من الأمام قطعة واحدة، واسع وغليظ يلبس في فصل الشتاء فوق الملابس للوقاية من البرد، و«بياع الخبل عباته» موسم مفاجئ للبرد، حيث يشعر الناس بانتهاء موسم البرد والدفء حتى ان البعض يرتدي الملابس الصيفية، وبينما الناس على هذه الحال، إذ بالبرد يعود من جديد وتتخلله لسعات شديدة خاصة في الأماكن المكشوفة.
وهذه الفترة تسمى موسم العقارب الثلاثة في آخر فصل الشتاء وبداية الربيع، و«بياع الخبل عباته» آخر نجم في موسم العقارب، وللمثل قصة وإن اختلفت الروايات، ومنها أن راعي أغنام ضعيف بنية الجسم سيئ التدبير كان عنده (بشت) يقيه برد الشتاء، وبشوت الماضي ليست كما نراها اليوم وإنما كانت ثقيلة، وقد أحس هذا المسكين أن الجو أصبح دافئا والبرد قد انتهى فباع بشته، وفي اليوم التالي هجم عليه البرد على حين غرة واشتدت هبوب الرياح الباردة فلم يقاوم جسده الضئيل شدة البرد فدفع حياته ثمنا لعدم تقديره الأمور كما يجب، فأصبح المثل دارجا في الجزيرة العربية، ويقال لكل مهمل ومن لا يحسب لعواقب الأمور حسابا.
وعلى ذكر برد «بياع الخبل عباته» فالعرب يسمونه «الحسوم»، وعند أهل المدن والقرى «الشولة»، وعند أهل البادية يسمونه «برد العجوز»، وأهل البحر «بياع الخبل عباته»، وهي ريح شمالية، واصل كلمة برد العجوز أن عجوزا كاهنة تكهنت بعودة الشتاء لأيام قلائل فكان الأمر كما ذكرت ونسبت التسمية لهذه العجوز، وختاما ما أكثر من باعوا بشوتهم شتاء في هذه الأيام! ودمتم سالمين.