الإنسان بطبعه قليل الصبر عجول، فتجده يستعجل معرفة الأخبار، ويستعجل رزقه، ويستعجل زوال همه، ويستعجل إجابة الدعاء، ونحن نعلم أنه ليس له من الأمر شيء، فكل ما يحدث لنا من خير وشر إنما هو بأمر الله وتدبيره، والأيام بكل ما تحمله من أقدار تدور بنا مثل الرحى، وفي كل الأحوال فالاستعجال مذموم إلا بفعل الخير، لذلك قال الله تعالى: (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً) «الإسراء: 11».
وكان العرب يسمون العجلة أم الندامة، وهي كما قالوا، ولكنها في طبع الإنسان وتكوينه، ولو صبر لنال ما يريد، وقد تؤدي به العجلة إلى سوء الخاتمة، على الضد من الصبر والتأني، فمن تأنى نال ما تمنى، والمرء في هذه الدنيا متقلب بين السراء والضراء، فعليه أن يشكر الله ويحمده في السراء، وأن يصبر في الضراء، يقول الإمام الشافعي:
إذا ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد
عسى نكبات الدهر عنك تزول
ذكر المدائني في هذا السياق أنه رأى امرأة لم ير مثلها جمالا ونضرة وتبسما وضحكا، فقال لها: ما هذا السرور الذي أراه، فقالت: لا والله إن لدي أحزانا، وخلفي هموم، وسأخبرك: كان لدي زوج ولي منه ابنان، فذبح أبوهما شاة في يوم عيد الأضحى، والصبيان يلعبان وينظران إليه، فقال الأكبر للأصغر: أتريد أن أريك كيف ذبح أبي الشاة؟ قال: نعم، فقام إلى السكين فأخذها وذبحه، فلما رأى الدم خاف وفزع وهرب نحو الجبل، فأكله الذئب، فخرج أبوه يبحث عنه فضاع ومات عطشا، فأفردني الدهر كما ترى، فقال لها: وكيف أنت والصبر؟ فقالت: لو دام لي لدمت له ولكنه كان جرحا فشفي.
من هنا أقول إن الصبر في بعض المواطن صعب ولكن لابد منه، ولأنه شديد بشر المولى عز وجل عباده بحسن الثواب، فقال: (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) «البقرة: 155»، وهذا بيان لفضل الصبر وبشرى للصابرين، فالصبر أفضل الأعمال وأجلها، وهو واجب، ذكر أنه نعي لعبدالله بن عباس ابن له وهو في طريق سفر، فنزل وصلى ركعتين، ثم استرجع وقال لمن معه: فعلنا كما أمرنا الله عز وجل، ثم تلا قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، فالصبر مطية لا تكبو، وكما قال علي بن أبي طالب: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد. ودمتم سالمين.