الآفة في اللغة ما يصيب الشيء فيفسده، من مرض أو عيب، والآفة أيضا عندنا المتناهي بالشيء، وفي اللغة يقال نجا فلان من آفات الدنيا بمعنى سلم من مصائبها وفتنها، والمقصود بهذا المثل التحذير والإنذار والتنبيه للشخص من مغبة فعل السيئ، وسوء منقلبه، فما من آفة إلا وفوقها آفة، فإن قلت أنك شاعر فهناك من هو أشعر منك، وإن ادعيت القوة فيوجد من هو أقوى منك والكمال لله وحده، وهذا المثل يشبه إلى حد بعيد المثل الآخر الذي يقول «كل عاص من الزمان» وكذلك فوق كل طامة طامة، وهذا أمر مسلم به، فما من ظالم إلا سيبلى بمن هو أظلم منه وما من عاق إلا سيبلى بمن هو أعق منه وقوارع الزمن وحوادث الأيام تلين كل من هو عاص، سنة الله في خلقه:
وما من يد إلا يد الله فوقها
ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
فإذا دعتك قدرتك لظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك، كان عمرو بن سعيد الأشدق جبارا عاتيا يصطلى بناره، رام الخلافة وأغلق أبواب دمشق وبايعه الناس وعبدالملك بن مروان في طريقه إلى العراق لحرب مصعب بن الزبير، فما أن جاءه الخبر حتى عاد أدراجه إلى دمشق، ثم استدرجه وخدعه حتى فتح له أبواب دمشق على أن يكون وليا للعهد، ولما تمكن منه عبدالملك قتله غدرا، وهي أول غدرة في الإسلام، وانظر إلى نهاية أبي مسلم الخرساني الذي أمات دولة وأقام دولة، هذا الرجل الذي كان الموت يسير حيث سار، ثم سلط الله عليه أبوجعفر المنصور فقتله غدرا أيضا، ولكل آفة آفة، فآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الحسن الخيلاء، وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة الحسب الخيلاء، وآفة الصحة المرض، وآفة العجلة الندامة، وآفة الحياة الموت، وآفة العافية المرض وكل آفة عليها آفة. ودمتم سالمين.