من حق كل إنسان أن يبدي رأيه ووجهة نظره، ولكن ليس من حقه أن يكون رأيه ووجهة نظره نابعة من توجهه وميوله وعاطفته، لأنه في هذه الحالة سيجعلنا لا نعير ما يقوله اهتماما ولا نلتفت إليه. وغير مقبول مطلقا فرض رأيك على غيرك ومصادرة الرأي الآخر، لأن من حق الآخر إبداء رأيه، ومن واجبك الاستماع إليه، فلم لا يكون الاختلاف بيننا حضاريا فنجعله جسر تواصل، ولم نصر على جعل اختلافنا مبعثا للعداء والتناحر؟ ثم إن المرء العاقل لا يستعجل في الحكم على غيره دون روية.
والمؤسف حقا غياب ثقافة قبول الرأي الآخر في هذا الزمن، وسيطرة فكر الإقصاء والأنانية بأساليب وطرق سمجة، فأصبحنا نصر على آرائنا ونتجاهل آراء غيرنا عن تعمد، يقول ابن الوردي: ليس العجيب أن يختلف الناس في أذواقهم وميولهم، ولكن العجيب ان يتخاصموا من أجل هذا الاختلاف، إن فرض رأيك على الآخرين خلق مذموم وبعيد عن المنطق والواقع، ومن العجائب أن تباين الآراء واختلافها أدت إلى العداء والكراهية والحقد، والتلفظ بألفاظ نابية وهذا ناتج عن انحدار مستوى النقاش وضيق الأفق وضحالة فهم نظرية احترام الرأي الآخر.
من الحري ذكره في هذا السياق أن أول من سن لنا احترام الرأي والرأي الآخر سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو الأسوة والقدوة الحسنة، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يختلفون عنده وربما تعالت أصواتهم فلا يعنف أحدا ويحترم آراءهم ويأخذ بالأفضل، فديننا الإسلام لا يقر مصادرة الرأي والفكر، ولا يعرف سياسة الإقصاء الفكري والثقافي التي نعاني منها اليوم، بل يحث على الاحترام المتبادل بين الجميع.
إن الاختلاف في الآراء يتطلب الحيادية، والحيادية تحتاج الى الوعي، وربما يجهل البعض أن التباين في الآراء إثراء للفكر وليس للمشاحنات بل انه ترسيخ لمبدأ للتسامح بين الناس في مفهومه الحقيقي، وطريق ممهد للتعاون، لقد وقف عمر بن الخطاب على المنبر وهو خليفة المسلمين ونادى من حوله قائلا: أصابت امرأة وأخطأ عمر ولم يصر على رأيه وتأخذه العزة بالإثم، فأين نحن من هذا النهج القويم؟! ودمتم سالمين.