العاقل من رد نفسه عن هواها وردعها ونأى بنفسه عن كل ما يشينها، وقد سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك، والمرء العاقل الرشيد جامع لأمره ورأيه، يحسب للعواقب حسابها، فالعقل زينة ونعمة حبا الله تعالى بها عباده، وميزه به عن غيره من المخلوقات، فبالعقل نميز بين الخير والشر والصح والخطأ، فهو ينير دروبنا ويهدينا سواء السبيل، وإذا سلب العقل من الإنسان أصبح بلا قيمة، فيتصرف تصرفات غير مسؤولة وغير لائقة، فعلينا أن نحمد الله حمدا كثيرا على نعمة العقل وأن نستخدمه فيما يعود بالخير علينا، لا بما يضرنا.
وكان السلف الصالح يقولون: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله، لأنه لو حضر عقله لحجز بينه وبين المعصية، وعندما يُحتل العقل لا شك أنه سيعتل ويختل، وتختلف المفاهيم التي كان عليها المرء وتتغير مبادئه، ويصبح في عالم آخر، والمغريات حولنا كثيرة والفتن أكثر، والمنة على من هداه الله، وقد انساق خلف هذه المغريات كثير من الناس، مع أنه حري بالإنسان العاقل أن ينتبه لما حوله، ويحجز نفسه عنها، وكـــما ترون فقد تغيرت المفاهيم وتراجعت المثل وانتكست العادات وفشا الكذب بين الناس، وانتشرت المظاهر الزائفة الخادعة الكاذبة، وصارت لها أهمية قصوى، حتى تكاد تكون حقيقة ونصدقها، وبات تقييم الناس بمظاهرهم وبما يملكون من أموال، حتى صرنا نعــاني ضعفا ملحوظا في أخلاقنا.
فنحن بالفعل نعيش أزمة أخلاق، مع أن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، والنهي القاطع عن مساوئ الأخلاق، فما قيمة المرء إن نزع منه الحياء؟ وهو شعبة من شعب الإيمان، ليس هناك مجتمع مثالي في هذه الدنيا، ولكن هناك خطوطا لا يمكن تجاوزها وقد اجتازها البعض دون الالتفات إلى القيم والمبادئ، وحتى المنابر الإعلامية أصبحت مرتعا للشتائم والتهديد بلا وازع من ضمير أو أدنى إنصاف، وصار الجار لا يأمن جاره، وزادت الجرائم عن حدها، وصارت الحرية بلا سقف، فلنعد إلى قيمنا التي تربينا عليها وتميزنا بها، فبها نقوم وننهض ويعم الأمن ولا رجوع لها إلا بالعودة الى الله تعالى، ودمتم سالمين.