الحشر، الجمع في مكان واحد والحشد، والأصل اجتماع الخلق يوم القيامة، وهذا مثل شعبي يمكن لنا أن نقبله أو نرفضه حسب قناعتنا، لأنه كلام مرسل، وعندما تتأمله ترى أن معناه يوحي لك بالخوض مع الخائضين، وأن تحشر أنفك فيما لا يعنيك، أو أنك تحاكي الناس بما يفعلون، فربما كان هؤلاء الناس على خطأ أو ينتظرون خطأ داهما، أفتتحمل الخطأ معهم، فإن كان ولابد احشر نفسك مع المصلين في جماعة، أو احشر نفسك مع من ينادي بعمل الخير، أما غير ذلك فلا تلومن إلا نفسك، مثل الطفيلي الذي رأى جماعة من الزنادقة مجتمعين، فحشر نفسه بينهم ظنا منه أنهم سيذهبون إلى وليمة، فسيقوا وهو معهم إلى الخليفة فأمر بقتلهم فحاول أن يبرئ نفسه من هذه التهمة الشنيعة فلم يتمكن فقتل معهم بسبب أنه حشر نفسه فيما لا يعنيه.
فالإنسان العاقل اللبيب لا يورط نفسه في أمور لا يعرف عنها شيئا بذريعة «حشر مع الناس عيد» فيكون بذلك إمعة وينطبق عليه القول الآخر «مع الخيل ياشقرا». يقول الإمام ابن الجوزي في كتاب الحمقى والمغفلين: مررت بقوم يضربون رجلا ومن بينهم رجل أشدهم ضربا له، فسألته فيم انتم وما بال الرجل يضرب؟ وأنت أشدهم ضربا له ! فقال والله ما أدري ما شأنه وفيما يضرب، ولكني رأيت الناس يضربونه فضربته معهم احتسابا للأجر والثواب.
ومع ما ذكرت فهناك أناس يؤيدون هذا المثل مع أنه مفهوم خاطئ ومنطق غير مقنع وله تأثير سلبي على الناس لأنه تقليد أعمى بلا دراية، وهم أناس يتبعون بعضهم بعضا على الخطأ نتيجة تعطل عقولهم وجهلهم وموت ضمائرهم، وهذا الأمر مستهجن لأنه باعث للفوضى ومشجع على الانحراف عن جادة الصواب، يقول الصحابي عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لا يكون احدكم إمعة، قالوا وما الإمعة يا أبا عبدالرحمن؟ قال: يقول أنا مع الناس أن اهتدوا اهتديت وإن ضلوا ضللت. ودمتم سالمين.