تمر بنا الحياة أياما وشهورا وسنين يسابق بعضها بعضا، فتمضي بنا بأحداثها بين فرح وحزن محملة بالكثير من الاحداث، فقد ننسى بعضها والبعض الآخر يظل عالقا في ذاكرتنا لا يتزحزح، وتستمر بنا الحياة إلى أجل مسمى لا يعلمه إلا الله وحده، عالم الغيب والشهادة، وقد منحنا الله خلالها نعمة عظيمة ضمن نعمه التي لا تعد ولا تحصى تستحق منا الحمد والشكر وهي نعمة النسيان، من أجل أن تستمر بنا الحياة ونتحملها بحلوها ومرها.
أما النسيان فهو السهو، وخلو البال من ذكر الشيء وغيابه، وهو ضد التذكر، وقد ورد ذكر النسيان في القرآن الكريم في خمسة وأربعين موضعا، وبصيغة الفعل ورد اثنين واربعين مرة، لما له من أهمية في حياتنا، يقول المولى عز وجل في سورة الكهف (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره) والحقيقة أن المرء عرضة للسهو والغفلة والنسيان، وربما تضايق كثيرا عندما ينسى أمرا مهما ولعل في الأمر خيرة له وهو لا يعلم (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ـ البقرة: 216).
والحقيقة أن من أراد الراحة لنفسه فلينس، فحياة الإنسان لا تخلو من الآلام والأحزان وإذا تذكرها وفكر فيها نغص عليه حياته، فلا حزن يدوم ولا فرح يدوم، ولولا النسيان ما انتهت مصائبنا، ولا تمتعنا بشيء من متاع الدنيا، وقد رفع المولى عز وجل بفضله وكرمه عنت الخطأ والنسيان وما استكرهنا عليه، ولا شك أن هذا من رحمة الله على عباده، ولولا هذه الرحمة والنعمة المسداة لما بدأنا حياة جديدة، إن النسيان سكينة للقلب وراحة للعقل، يقول الإمام ابن القيم: ومن أعجب النعم نعمة النسيان، فإنه لولا النسيان لما سلا المرء شيئا ولا انقضت له حسرة، ولا تعزى عن مصيبة ولا مات له حزن، ولا بطل له حقد، ولا تمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات، ولا رجا غفلة عدو ولا نقمة من حاسد، فتأمل نعمة الله في الحفظ والنسيان مع اختلافهما وتضادهما (مفتاح دار السعادة)، ولا شك ان نسيانك الشيء سلوان وراحة بال لك، ومهما نسيت وتناسيت فلا تنسى واجبك تجاه خالقك أما ما سوى ذلك فهو زائل، ودمتم سالمين.