«تمخض الجبل فولد فأرا» مثل من الأمثال العربية، إلا أنه يثير الدهشة والغرابة، فكيف للجبل أن يتمخض ثم يلد فأرا، فنحن نعلم ان الجبل جماد، ولكنه ورد في كتب الأمثال بصيغته تعبيرا عن القول الكثير والفعل القليل، مثل الاستهزاء والسخرية.
لذا، فالمثل لا يخلو من الطرفة ولكنه يحاكي الواقع ويمر في حياتنا كثيرا ويضرب لمن يتوقع منه الشيء الجم الكثير وبعد طول انتظار وترقب يأتي بالشيء النزر القليل الذي لا يتناسب مع ما قاله ووعد به، بل إنه لا يساوي شيئا وقد رويت قصة المثل من عدة وجوه. فقد ذكر أن مجموعة من الناس كانوا يجلسون أمام جبل كبير في أمان الله يتحدثون وبينما هم في شأنهم هذا إذا بالجبل يتحرك فجأة أمام أعينهم وتتطاير منه الحجارة فذعروا وخافوا خوفا شديدا وجروا بعيدا عن الجبل ظنا منهم أنه زلزال، وبينما هم على هذه الحالة من الهلع إذا بالجبل يتمخض فأرا فيخرج أمامهم، وما إن رآهم حتى هرب وتوارى عن الأنظار، فتعجبوا كثيرا من ذلك.
وكما يبدو لنا، فالمثل من نسج الخيال، ولكنه أصبح مثلا دارجا، يتحدث به الناس كنوع من السخرية لكل من يخالف فعله قوله ونحن أيضا نتمثل ونستشهد به في كثير من المواقف التي تحدث معنا، فنقول ذلك لمن لا يفي بوعده ومن بعد بإنجاز أمر ولا ينجزه، كسحابة الصيف التي تسمع وتشاهد من خلالها برقا ورعدا ولا فائدة منها حتى اننا نقول مطر صيف، فكثيرا ما سمعنا أناسا يقولون أنهم سيفعلون ويفعلون ولا نرى في الواقع شيئا، وعود طارت بها الرياح وكأنها لم تكن مثل الجعجعة بلا طحين والسراب الذي يتبعه الظمآن وهو يحسبه ماء فيزيد عطشه عطشا.
وليس أجمل وأتقى عند الله والناس من الصدق «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولايزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا»، متفق عليه، ودمتم سالمين.