«أبا مناور» معلمي الأول، حفظت سورة الحمد منك، وعرفت الصلاة منك، وقبلها تعلمت المشي منك، فتبعت خطاك حتى أصبحت معلم أجيال مثلك، بل أنت معلم فذ قلّ من هو مثلك، صمتك رسالة، نظرتك رسالة، كلمتك رسالة، فتخيل عزيزي القارئ كم رسالة تركها «أبو مناور» لنا؟
«أبا مناور» يا والدي، نعم يا معلمي الأول، إننا تعلمنا من رسائلك وخطواتك وتعليمك، تعلمنا الصبر، تعلمنا التسامح، تعلمنا التحمل، تعلمنا الكبرياء، وها نحن وسوف نبقى لا نرضى بالظلم أبدا وسنورثه إلى أحفادك كما تحثنا دائما يا أولادي «إلا الظلم»، يا الله ما أجمل وأعظم رسالتك هذه يا أبي، يا أبي لقد رحلت إلى مسكن النائمين طويلا لكن كلماتك وإرشاداتك وحنانك وضحكتك وابتسامتك والأمان من حولك هو نبض قلوبنا التي انكسرت بفراقك، لن نوفيك حقك مهما قلنا وكتبنا، ما يوجعني أنني بعيد عنك وأنت تتوسد تراب الوطن الذي حميت أمنه في شبابك، ودافعت عنه في عنفوانك حتى كبرت وأنت تدافع عن الوطن بكلماتك الغالية «الكويت لا مثيل لها، شعب الكويت هو الوطن بجميع أطيافه، حكام الكويت أحن على الشعب كحنين أم لطفلها، حافظوا عليها فإن النعم زائلة».
«أبا مناور» أيها الزارع، سامحني لم أستطع حضور دفنك، وأنت من زرع فيّ الأخلاق والقيم والمبادئ والكرامة، ومن باب كلماتك الجميلة إكرام الميت دفنه، أكرمك أولادك وجيرانك وأصدقاؤك بدفنك وأنا بعيد عن تراب الوطن، فسامحني يا أبي لم أستطع ركوب الطائرة قبل إجراء فحص «كورونا» التي كانت أحد الأسباب في حرماننا منك وقبل عام من والدتي الحبيبة، فسامحني يا أعز من مشى على هذه الأرض، سامحني يا من علمتني أن أكون شديدا بطيبتي وإحساني وقويا بأخلاقي، سامحني أيها القدوة العظيمة التي ارتويت من نبعها الحياة بمعناها الصحيح.
«أبا مناور» لقد كان صمتك قبل حديثك مدرسة، علمتنا مراعاة الله في كل شيء، ومن تواضع لله رفعه، علمتنا البعد عن المظاهر الزائفة والزائلة، علمتنا نظراتك العطف والحب والحنان رغم قسوة النظرة وما تحمل من عبارات وجمل، لقد كنت قليل الكلام، كثير الذكر، وحمامة مسجد، متواصلا مع أرحامك وأقاربك وأصدقائك، فكنت الوفي في كل شيء حتى مع من أساء إليك، كنت دائما ترفع يديك للسماء أن يدفع الله عنا البلاء ويشفي كل مريض، وتدعو للكويت وحكامها وأهلها ومقيميها، وأتذكرك في أول أسبوع من شهر مارس عام 1991 تقول متى ندخل الديرة حرروها من الشهر الماضي، يا الله يا أبتِ ما زلت أذكر عند الحدود ماذا عملت.
«أبا مناور» سامحني لعدم حضوري، سامحني لو قصرت معك، سامحني لو أزعجتك في طفولتي، سامحني لو لم أسمع كلمتك يوما، سامحني إن قصرت بوصفك الكريم، سامحني إن قصرت كلماتي، فأنا لا أستطيع أن أصفك علما بأنني أعرف كل جانب في حياتك، سامحني يا والدي العزيز، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أبي الحبيب لمحزونون.. رحمك الله يا «أبا مناور»، فسوف تبقى ذكراك عالقة في القلوب قبل الجدران وعند الجيران قبل الأهل، فنعم الأب أنت لكل أفراد العائلة، وشكرا لكل من واسانا وشاركنا أحزاننا، وشكرا لك أيها القارئ ولا أراكم الله مكروها.
«اللهم يا حنان، يا منان، يا واسع الغفران، اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم أبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله، وبارك منزله وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار يا رب».. إنا لله وإنا إليه راجعون.