اقتربنا من منتصف رمضان، هذا الشهر الفضيل الذي يأتي بنفحاته الرمضانية وبطقوسه، عباداته، زكاته، صدقاته، موائد الرحمن وترنيمة الدعاء البهي تتجلى في «ذهب الظمأ وابتلت العروق» يا خير الشهور وأبهاها، ومع أول مائدة إفطار تلألأت عيناي ببهجة وجود الحاضرين، الإخوة والأخوات، الأبناء والأحفاد، وأنا وهذه المائدة المتراصة أمامي بالأطباق الشهية، أصوات الأمهات يعج في المكان بهمة واستعجال تنادي الصغار لتسكب للجيران مما تم إعداده للإفطار، وهرولة الصغار بالأطباق متسارعين لإيصال هذه الأطباق للجيران الذين هم بدورهم يعيدون الأطباق بأطيب ما يطبخون، محملين كل طبق بعبارة ملؤها الحب: (قول لأمك تتذوق من هذه النقصة إن شاء الله تعجبها).
هذا المشهد أمام عيناي وهذه الأصوات جعلت قلبي ينتفض كالذي أفاق من غفوة أو كمن كان يسير في صحراء جرداء مقفرة ثم أفاق على هطول المطر، الخير والنفحات والجمعات وصلة الرحم، هكذا تشرق الحياة من جديد، لم يتغير شيء، الأيام هي الأيام والساعات والدقائق والسنين، نحن لازلنا نحن، لماذا إذن يتغير سلوكنا، نتقارب ونتحاب ونشعر بالخير والبركة والحب؟ لماذا هذه المشاعر وهذا الحب ينحصر فقط في شهر رمضان، لماذا لا يطوف الحب كل شهور السنة؟ لماذا لا نجعل من نفحات هذا الشهر الفضيل «شهر الحب» مبخرة تطوف ريحها الطيبة على جميع شهور السنة نجددها ونغذيها بسنن ديننا وأخلاق نبينا.
أذكر عندما كنت صغيرا كانت والدتي «غفر الله لها» لا يهنأ لها طبخ إلا إذا حسبت حساب الجيرة منها، ولا تكتمل سفرتنا إلا بأطباق متنوعة من عند الجيران، بعضها مغدق باللحوم وآخر لا يعدو عن كونه ماء يشبه الحساء، كان والدي «غفر الله له» يعرف أن هؤلاء الجيران حالهم ليس باليسير، فكان يوصي والدتي بلغة الإشارة، غمزة من عينه تفهمها (وفهمنا معناها عندما كبرنا)، أن تجود على هؤلاء الجيران بما هو متيسر من مؤونة البيت.
كم كان الخير كثيرا، وكم كان الحب حاضرا وعامرا في قلوب الأهل والجيران، كنت أشعر أن الفريج أسرة واحدة، فالكل يعرف الكل، والكل يخاف على ممتلكات الكل، كان كل الرجال كرجل واحد، وكنا نشعر أن أي كبير في الفريج هو والدنا وأي كبيرة هي أمنا، لم نكن نرتاب أو نقلق من اللجوء لأي شخص نصدفه مارا ليحل الخلافات بإنصاف بيننا، ألا ليتك يا رمضان تغرس نفحاتك بيننا وتعدينا لأنفسنا وديننا وتمضي وقد اكتمل الحب بيننا، فالحب في رمضان له طعم ولون ورائحة ونفحاته من نفحات الشهر الفضيل، تعالوا نحب بعضنا.
اللهم حبب بعضنا ببعض واحمنا من شرور أنفسنا وشرور الآخرين، اللهم في هذا الأيام المباركة أصلح حالنا لما تحب وترضى، اللهم لا تشمت الغير فينا وفي أبنائنا وأحفادنا وشعبنا الأبي العظيم المتحاب فيك، اللهم استودعتك أميرنا وولي عهده وسمو رئيس الحكومة وكل من على هذه الأرض الطيبة المباركة الكويت، كويت الحب.