منذ نشري المقال الأول بجريدة «الأنباء» الثلاثاء الفائت، وأنا أتلقى هذا السؤال بشكل مستمر من كل حدب وصوب، لماذا «الأنباء»؟!، هذا هو السؤال الذي يحمل دلالتين كبيرتين في داخله، أولاهما: التناقض حيث إن السؤال كلما طرحه أحد الإخوة أو الأصدقاء أو المعارف عليّ وجدتني أبادله السؤال بسؤال آخر، وهو: «ولماذا ليست الأنباء؟!»، لماذا ليست «الأنباء» بكل مسيرتها العظيمة في الصحافة الكويتية، لماذا ليست «الأنباء» بنهجها الوسطي القائم على الموضوعية والفكر المستنير وعدم إشعال الفتن، لماذا ليست «الأنباء» بعد كل هذه المسيرة المهنية المشرفة لكل العاملين فيها وفي المجال الإعلامي في الكويت، أما الدلالة الثانية التي يحملها السؤال المطروح، فلماذا «الأنباء؟!» في داخله فهي دلالة الإجابة، فالسؤال يجيب عن نفسه، فكم القراءات والمشاهدات والتعليقات التي جاءت استجابة للمقال الأول، تبرهن على المكانة الكبيرة لجريدة «الأنباء» الكويتية، وتثبت بكل وضوح هويتها ونهجها الوطني الكبير، وأنها كما أراد مؤسسها من البداية أن تكون جريدة كل الكويتيين،
وهاهم الكويتيون يلتفون حول جريدتهم ويتابعونها، ثم هاهم بكل بساطة يسألون «لماذا الأنباء»، باختصار لأنها جريدتكم يا سادة، جريدة الكويت وأهلها، جريدة كل قلم وطني حر يكتب لرفعة هذا الوطن وعزته، جريدة الهوية والتاريخ والوسطية والمهنية، في زمن قلت فيه المهنية، وتنحت فيه الوسطية وعلت عليها المصالح الشخصية والصراعات الفئوية، وتلاعب فيه المتلاعبون بالتاريخ، وتواجه فيه الهوية صراعاتها المصيرية الكبرى، وتقف فيه «الأنباء» منبرا إعلاميا شامخا يحمل طابع الكويت سياسة وإدارة وتحريرا في كل حرف من حروفها المسطورة فوق الصفحات المطبوعة أو الإلكترونية.
فقصتي يا سادة في الطريق إلى «الأنباء» تبدأ قبل ثلاثين عاما تقريبا، حيث عملت في إحدى الصحف اليومية التي عودتني أنا وزملائي الصحافيين والكتاب أن نطلق العنان للبنان والبيان، غير عابئين بمقص الرقيب ومراجعة ردي النصيب، واستمر الحال لأعوام طويلة لا أذكر أنه تم منع مقال أو مصادرة رأي مادام لم يخرج عن الأخلاق والآداب العامة ولا يعاقب عليه نص قانوني، وقد ترددت كثيرا قبل التحول إلى جريدة أخرى بعد سنوات غير طوال في منبري الإعلامي الأول، لكن إلحاح الكتابة وتداعيات القضايا، وتطورات الأحداث الجسام التي تمر بها المنطقة العربية بشكل خاص، والشرق الأوسط بشكل عام، ما كانت لتترك قلمي ساكنا، فنزلت على رغبة البنان، وعدت إلى المقال والبيان، واخترت إحدى الصحف، وما لبث أن تركتها، ثم اخترت الأخرى فما لبثت أن تركتها، وفي المرتين كان السبب واحدا وواضحا، فأنا لم أعتد على مقص الرقيب، ومصادرة الرأي، وهم اعتادوا على تسييس التحرير، وتقييد الحرية، وتغييب السياسة التحريرية، ومن ثم فلم نلتق، أو بمعنى أدق فلم يستطع القلم أن يكون حبيسا، وربما كان التفكير والاتجاه يحدو بي نحو الاكتفاء بالكتابة الإلكترونية عوضا عن الصحف، ولكن سرعان ما كانت دعوة البوابة الإعلامية الكويتية الأصيلة «الأنباء» بشرى خير للقلم، وبابا واسعا إلى فضاء التعبير الحر.
فـ «الأنباء» يا سادة منذ وضع أركانها الأولى المرحوم العم «خالد المرزوق» طيب الله ثراه، محددا منهجها وسياستها في أن تكون جريدة كل الكويتيين، وهي تتبع نفس المسار سياسة وتحريرا ونهجا، التي لم تستغل الوسيلة لمصالحها الشخصية، وأنا لا أقول إن الوسائل الإعلامية لا تعمل لمصالحها وسياساتها الخاصة، فنحن لسنا في عالم مثالي، ولكني أشهد أن «الأنباء» مشهود لها طوال تاريخها بتغليبها لمصلحة الوطن والمواطن، وتركها مساحة الحرية والتعبير في فضاء إعلامي حر ووطني، مما مهد لها الطريق خلال كل هذه السنوات إلى قلوب وعقول كل المواطنين، فصارت فعلا وقولا جريدة كل الكويتيين، فلا تسألوني يا سادة: لماذا «الأنباء؟!» إنها جريدتي وقلمي الحر، وجريدتكم وصوتكم الحر أيضا.