كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، في أرض فضاؤها البحر والجبال والكثبان، كان هناك بيت للعائلة جمع الاخوة والخلان، في ود وتراحم وأمان، كان مجمع الاخوة دائما بالفرحة والورود والأزهار في كل لقاء ومكان، ولطالما كانت عاداتهم العربية الأصيلة تؤثر في سلوكهم، وودهم لبعضهم البعض، وترحابهم، وحلهم وترحالهم، وكثيرا ما نثرت قيثارة الشعر بذورها الذهبية في فضاء بيتهم الفسيح في العديد من الأمسيات، فازدادت الأفراح وتعافت الآهات والجراح، وقويت العلاقات والدعائم، برغم المكائد والمصائد.
ويروى أن الجيرة ليست دائما جيدة، فقد تكتب لك الظروف مجاورة شياطين الإنس والجن، وهذا أمر تفرضه الطبيعة بوجود الصالح والطالح، والجار الزين والشين، وقد قضت الحكمة بعد عهد طويل من الزمن أن يبغي أحد الإخوة على اخوته، لكن سرعان ما تعاضد الجميع وتشبثوا بدعائم البيت، حتى استطاعوا ان يضمدوا جراحاتهم ويعودوا الى سابق عهدهم، وهذا لم يكن سهلا، لكنه في الوقت ذاته لم يكن مستحيلا، لأن روابط الأخوة والدم كانت أوثق وأعرق أن تبدلها الأيام، وأن تؤثر فيها وسوسة الشياطين، نجا البيت من الدمار، ونجا الإخوة من التشتت والانهيار، وشيئا فشيئا عادت المياه إلى مجاريها، وعاد الإخوة للعمل والكد والجد والإعمار، كانت الآلام كبيرة، والصعوبات خطيرة، مما ترك في البيت شروخا وتصدعات كثيرة، لكن الأخوة كانوا قادرين على البناء والتعمير وإصلاح ما أفسده الأخ الباغي على إخوته، ونظروا إلى مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة حتى لا تعكر صفوه هذه الأحداث الصادمة وغير المألوفة على بيت العائلة.
يوم بعد يوم وعام بعد عام، تعاقبت الأجيال تلو الأجيال وظل الحال كما هو إلى أن لاح في الأفق الصبية الصغار الذين ورثوا عن آبائهم البيت وعاشوا فيه كما عاش من سبقهم من الفرسان والأبطال، ومن هنا فإن الجيل الجديد من أهل البيت، لا يتمسك كثيرا بالأعراف والتقاليد التي توارثتها الأجيال المتعاقبة لأهل البيت، ومع طلعة كل صباح يخرج الصبية الصغار من البيت وهمهم الأول أن يسابقوا بعضهم البعض، لينظروا من تكون له قدم السبق، وهو أمر كان فيه ظاهره جيد، ولكن المشكلة أن بعض شياطين الإنس والجن من الجيرة السيئة، بدأ في مشاهدة هذا السباق، وفي تغذية روح التنافس بين الإخوة الصغار الى أن تحول التنافس الى عداوة وعراك ومحاولة لإثبات كل طرف نفسه على حساب أخيه، وتحقيق الفوز بكل طريقة، وهنا تدخل الأخوة الكبار الذين تميزوا دوما بالحكمة في القول والعمل، ليصلحوا بين الصغار، ولكن المشكلة في أن الصغار أصروا على العناد، وزادوا في البعاد، ومرت الأيام والإخوة الصغار كلما زاد سباقهم كلما زادت الفجوات والتصدعات في بيت العائلة الواحدة، وفي المقابل فإن الإخوة الحكماء يحاولون رأب الصدع لإدراكهم جميعا أنهم إن تركوا الإخوة الصغار في خصامهم وعنادهم فسيهلك الجميع، وستبدأ الذئاب في ترصدهم في طرقات السباق وافتراسهم الواحد تلو الآخر، لذا الإخوة الحكماء يصرون على أن يأخذوا على يد الصغار حتى ينجو ويسلم جميع من في بيت العائلة.
تحيرت كثيرا في اختيار العنوان الأنسب لهذه القصة، وفي النهاية لم أجد عنوانا أفضل من «بيت العائلة» ربما لأنه الأكثر تعبيرا عن المعنى المقصود من هذه القصة، وربما لأن ما يبقى من مكوناتها يتلخص في البيت والمأوى الذي يحمي الجميع من العواصف والأعاصير والفتن، وربما لأنه المكون الصامد عبر مراحل الزمن المتعاقبة في هذه القصة، فالأبطال والمشاركون، وحتى شياطين الأنس والجن ذهبوا وتغيروا وتبدلوا عبر السنوات، وبقي البيت صامدا وعنيدا يحمل أصالته وتاريخه المتجذر في الأرض، وكل من يفهم ويدرك حال بيت العائلة يدعو معي «يا رب سلم سلم». يقول العم حسين ذياب:
حملت الهموم الشائكة وانت راعيها وهذي النتائج بينت ما تبي تحليل شكرا يالعود.