في إحدى المؤسسات الكبرى اشتكى جميع العمال والموظفين من المدير المتعنت الذي يتبع سياسة الباب المغلق، ولا يستمع الى شكاوى ومشكلات العاملين بالمؤسسة، فما كان من القيادة العليا إلا ان استجابت لطلباتهم وقامت بتغيير المدير القديم، بمدير آخر اتبع سياسة الباب المفتوح، وبالفعل بدأ يستمع الى شكاوى الناس ومشكلاتهم، وبدأ الجميع في التحدث والفضفضة، وكانت النتيجة بعد عام واحد انخفاض معدلات الإنتاج، وخسائر غير محدودة للمؤسسة التي بدأت تعاني من الانهيار بسبب سياسة الباب المفتوح التي اتبعها المدير، فما كان من المؤسسة إلا أن اضطرت لتغيير المدير مرة أخرى، وجاء المدير الجديد ليتبع سياسة أكثر تهورا في نظر الجميع، وهي سياسة الباب المخلوع، فمع اليوم الأول قام السيد المدير بإصدار أوامره بخلع باب مكتبه ليستطيع الجميع الوصول اليه دون حاجز أو رقيب، وفرح الجميع جدا بهذه الخطوة وسعدوا جدا، لكن مع دخول الموظف الأول على السيد المدير وجده يبادره قائلا، «فقط قبل ان تبدأ أردت أن أوضح أمرا في سياستي الجديدة أخي العزيز، وهي أني سأستمع الى جميع شكاواكم، ولكن بشرط واحد، وهي أن كل واحد يريد أن يعرض شكواه، يجب أن يقدم معها ثلاثة حلول مقترحة لحل هذه الشكوى»، وهنا صدم الموظف الذي أراد أن يعبر عن مكنوناته ورغبته في الإصلاح، والفضفضة بما يجيش في صدره من هموم وقضايا من أجل محاربة الفساد وإصلاح المؤسسة. صمت الموظف قليلا ثم انصرف في هدوء تام، لأنه باختصار لا يمتلك حلولا، وإنما يمتلك فقط مشكلات، وفي اليوم التالي ذاع الخبر وانتشر بين الجميع، ومع انقضاء الشهر الأول قلت نسبة الشكاوى من العاملين بنسبة 80%، وزاد الإنتاج مرة أخرى وبدأت دورة العمل وتحقيق الربح للمؤسسة.
والسؤال الآن هو: هل ما طبقه سيادة رئيس الحكومة في اجتماعه الأخير مع السادة الوزراء يعد الخطوة الأولى نحو سياسة الإصلاح، والتحول من مناطق الشكوى والقول الى مناطق العمل والحل؟ هل هذه بشارة بأن غيمة الإصلاح ستمطر عن قريب وان المحاسبة والرقابة ستكون ثمارها واضحة وملموسة في جميع المؤسسات؟ هذا ما ستسفر عنه الأيام المقبلة، وإن كانت هناك العديد من المؤشرات القوية والواضحة في سياسة وكلمات السيد رئيس مجلس الوزراء، فالاعتراف بوجود المشكلة هو أول الطريق الصحيح للبحث عن الحل، وتحمل المسؤولية هو البداية الحقيقية للإصلاح، والاستعانة بالكوادر المتخصصة وتحميلهم المسؤولية هو المؤشر السليم للاعتماد على فرق العمل، وعدم المركزية، وإعطاء الصلاحيات للمسؤولين، والاعتراف بعدم القدرة الفردية على مواجهة الفساد، هي منطقية واقعية تضع الأمور في نصابها وتقيم دولة المؤسسات، لا دولة الخرافات والبطولات الزائفة، والمواجهة بحقيقة الموقف والبحث عمن يستطيع أن يكمل الطريق في محاربة الفساد، وإلا فليعتذر، هو بحث عن جنود بواسل خادمين للوطن، وقادرين على مواجهة الصعاب، والفساد المستشري في العديد من مؤسسات الدولة، والتصريح بأن وجود قوانين تمنع الفساد وتحاربه أمر مهم، ولكنه لم يوقف الفساد، لأن البعض يرون مغريات الفساد أكثر، هو أمر ينم عن حكمة واضحة للموقف الراهن، ومعرفة بضرورة السعي الجاد لمواجهة الفساد من خلال كل السبل التي تتضمن سن القوانين، ومحاربة المفسدين، ومعرفة مواطن الضعف في الجهاز الحكومي ومعالجتها بطرق وأساليب واقعية وفعالة، واعتقد أن ردة الفعل والقرارات الحاسمة، وغرفة العمليات والمتابعة الجادة من رئيس مجلس الوزراء، خلال الأيام السابقة تشف عن سعي حقيقي للإصلاح، والعزم على المضي قدما لتحقيق مسيرة التنمية والتقدم التي خطها ورسمها سيدي صاحب السمو الامير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
أرجوحة أخيرة: أعتقد أن رسالة الشيخ جابر المبارك مع الوزراء واضحة، فالمرحلة المقبلة تتطلب رجالا قادرين على الإصلاح، لا رجالا متاجرين بالوطن ومشكلاته، وأكد ذلك العزم كلمة سمو الأمير تحت قبة البرلمان حين قال «الأمر يخص وزراء آخرين وأستغرب بتوجيه السؤال للرئيس».