إن حياتنا تمضي بين استقبال ووداع (مبروك ما جاك، وعظم الله أجرك)، وتلك سنة الحياة، لذلك اتركونا نأخذ الحياة ببساطة وارتياح، ودعونا نأخذها ببهجة وفرح، مادام أولنا وآخرنا مودعنا ومودعها، أقول هذا وأنا أفخر بموقف الشعب الكويتي الوفي في استقبال أخينا البطل وابن الكويت البار محمد الفجي، هذا الإنسان الذي يصعب على الأمهات ولادة شخص مثله، فهو يحمل بين ضلوعه ما لم يحمله غيره من وفاء لهذه الأرض وحب لأهلها وولاء لحكامها.
يسألني الكثير من الأحبة عن قصة هذا البطل، فأتجاهل السؤال رغم معرفتي بقصته وخفاياها، وعندما يلح علي البعض لسرد قصته أزعم بأنني لا أعرفها، وعندما أتواجه بالمزيد من الإلحاح أقول كان في رحلة علاج، وبعد أن تتم معرفة الحقيقة وتنتشر مواقف ابن العم محمد، ويعلم الجميع كيف رد جميل أهل الكويت، وعاد للأرض التي أحبها وأحب أهلها وضحى من أجلهم وأجلها بكل شيء، يلومني الأحبة على عدم سردي لقصته، فأردد ما يردده البطل محمد الفجي طيلة عقد ونيف (بلادي وإن جارت علي عزيزة)، فشكرا لأهل الكويت الذين حمدوا الله على عودة محمد، وشكرا لرسالتهم بالوفاء لمن يتصف بالوفاء، وكان لرسالتهم معنى آخر أيضا وهو «نحن شعب حي ما يموت»، نقدر من يقدرنا ونتجاهل من يتجاهلنا.
أما وداعنا فكان للعميد المساعد في كليتنا الأبية كلية الآداب بجامعة الكويت الأخ العزيز أ.د.عبدالهادي العجمي، والذي أطلقنا عليه لقب «المزيون»، وفعلا لقب يستحقه أبوناصر بجدارة، فهو مزيون بأخلاقه ومزيون بتفانيه في العمل، كان يعمل على مدار اليوم دون كلل أو ملل، وجعل من الكلية شعلة نشاط لا نظير لها في كليات الجامعة مجتمعة، فهو هادئ بطبعه شديد بعمله، قدير بعلمه، بصماته واضحة بكل من قسم التاريخ ومركز اللغات وجميع أقسام كلية الآداب، إن كلماتك أيها «المزيون» مزيونة وموزونة سواء كانت بحق زملائك المحتفين بك أو كانت بحق «أم الخير» عميدتنا أ.د.سعاد عبدالوهاب صاحبة القيادة والريادة التي جعلت من الكلية وأقسامها أسرة واحدة متكاتفة ومتحابة ومترابطة لتنهض بمستوى الأداء التعليمي والمهني والإداري، فشكرا للعميدة على جمعتنا حول المجبوس اللذيذ، وشكرا لصاحبة الجريش أ.د.نسيمة الغيث وشكرا لجميع الزملاء الذين ودعوا معنا أخي وزميلي العجمي، ونقول للأستاذ د.عبدالله الهاجري أنت خير خلف لخير سلف.
أرجوحة أخيرة: كما أنك عزيزي القارئ تصادف من البشر الذين لم تجد لهم تفسيرا يبرر تصرفاتهم، فإننا مثلك نصادفهم ونكرر قوله تعالى (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) صدق الله العظيم.