عنوان قصة قرأتها للكاتب الفرنسي الشهير أندريه موروا: وخلاصتها أن أحد الرسامين، كان فاشلا في حياته المهنية والاجتماعية والعاطفية، وذات يوم زاره صديقه الناقد الصحافي، فلاحظ الناقد أن الرسام كان يحاول أن يلفت نظر جارته الجميلة بلوحاته الكثيرة متعددة الموضوعات، لكن الجارة لم تكترث به ولا بلوحاته، فأشفق عليه صديقه، واقترح عليه خطة ماكرة، فاستحسنها الرسام ووافق أن يلعب دور البطل فيها.
قال الناقد للرسام: ارم وراء ظهرك كل لوحاتك السابقة، وابدأ منذ الآن باختراع لوحات لا معنى لها، وسوف أكتب عن لوحاتك العبثية سلسلة مقالات، وأؤكد للقراء فيها أنك أبدعت مذهبا فنيا جديدا لم يسبقك إليه أحد من قبل لا من قدامى الفنانين ولا من محدثيهم، ولن يستطيع أحد في المستقبل المنظور وغير المنظور أن يأتي بمثل ما أتيت به، لأن مواهبك الخارقة لن يجود بمثلها الزمان، وبدأ الرسام يعبث بالألوان والزيوت وخرق القماش مختلطة على لوحات بيضاء، فطار صيته بين الناس ولاسيما جارته التي امتلأت به إعجابا وحبا، وكل هذا من فضل سلسلة المقالات التي كتبها صديقه الناقد.
طبقت شهرة الرسام الآفاق متجاوزة حدود المدينة التي يعيش بها، حتى اقترن اسم المدينة باسمه في أذهان الناس، فأحب وجهاء مدينته أن يكرموه، ورجوه أن يوافق على عرض لوحاته في يوم تكريمه، وأن يشرح رموزها وأسرارها الفنية للجمهور المتعطش والمتشوق للاطلاع على هذا المذهب الفني الجديد، وبدا الرسام يتهرب من التكريم ومقابلة الجمهور، لأنه أعرف الناس بحقيقة نفسه ومذهبه الفني، وزاد إلحاح الوجهاء عليه، فذهب إلى صديقه الناقد، لعله يجد عنده مخرجا من هذا المأزق، فالتفت إليه وابتسم وقال: عليك أن توافق على التكريم والمعرض، وإذا سألك سائل عن معنى لوحة من لوحاتك، فما عليك إلا أن تنظر إليه بازدراء من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، وطرف غليونك الفخم متكئ على شفتك، وتقول له بعد أن تنفخ دخان غليونك في وجهه: هل تأملت في حياتك نهرا؟ وستجد أنه سيخجل أشد الخجل من جهله وغبائه، ولن يتجرأ أن يسألك مرة أخرى في حياته كلها.
افتتح المعرض ولعب الرسام دوره ببراعة واتقان، حتى افتتن الجميع بلوحاته ومذهبه الفني الجديد، وجزموا بأنهم لم يروا إبداعا كهذا الإبداع من قبل ولن يروا مثله في قادم الأيام، وبعد الانتهاء من حفلة التكريم وخروج الجميع من المعرض، جلس الرسام وصديقه الناقد يضحكان من غباء الجمهور وسذاجته، ثم سأل الناقد الرسام: لماذا أفرطت في استخدام قطع القماش في جميع لوحاتك يا صديقي؟ فنظر إليه الرسام بازدراء من أخمص قدميه إلى قمة رأسه، وطرف غليونه الفخم متكئ على شفته، وقال له بعد أن نفخ دخان غليونه في وجه صديقه الناقد: هل تأملت في حياتك نهرا؟ وأنتم هل تأملتم؟