عاد صاحب الأرض إلى مزرعته بعد رحلة العلاج الطويلة، لكنه وقف وسط المكان مذهولا من هذا الخراب والدمار الذي حل بالأرض خلال فترة غيابه، حيث يبست الأشجار، وأصبحت واقفة كشواهد القبور بلا ثمار، والطيور قد هجرت المكان، وحلت أصوات الغربان.
توقف صاحب المزرعة قليلا، واستجمع قواه شيئا فشيئا، ثم اتصل بعامل المزرعة والمسؤول قائلا: «وينك انت، ويش تسوي، أنا هنا بالأرض، أبيك حالا»، وبالفعل حضر عامل المزرعة أنيقا مهندما يلبس أحلى الثياب، وتبدو عليه علامات النعمة والخير، فما كان من صاحب المزرعة إلا أن ازداد غضبا، ثم عاد ليسأل العامل، «هل شغلتك نفسك عن الاهتمام بباب رزقك؟!»، فأجاب العامل «لا يا سيدي، فأردف صاحب المزرعة قائلا: إذن فما بالك في خير حال، وما بال حال المزرعة قد طاله الدمار والوبال، هنا رد العامل قائلا: «ألا تشم الرائحة يا سيدي»، فرد المعزب «وما المشكلة في الرائحة»، فأردف العامل «إنه السماد يا سيدي، ألا تشم رائحة السماد التي قضت على كل شيء»، هنا ازداد خنق صاحب المزرعة على العامل وقال وهو يكتم غيظه قدر ما يستطيع «ومن متى كانت ريحة السماد طيبة، دائما رائحة السماد نتنة»، فرد العامل مسرعا: نعم يا سيدي، ولكن هذه المرة خدعنا في هذا السماد الفاسد، الذي أحضره صديقك صاحب المزرعة المجاورة، وقال إنك أوصيته بأن يأمرني باستخدامه، وقد لاحظنا منذ البداية أن رائحته أسوأ من أي سماد، لكن المصيبة أننا اكتشفنا بعد فوات الأوان أنه يهلك الزرع والضرع، ويدمر التربة ويقتل الشجر والثمر، وحتى الطيور قد هجرت المكان، ولم تبق إلا الغربان، فلم يكفنا أننا نتحمل رائحته المقيتة التي ظننا أنها علامة على جودته وقوة مفعوله، بل زاد الطين بله بأنه سبب الخراب والدمار «فلا طبنا ولا غدا الشر»، ألا ترى يا سيدي هذا التفحم الذي أصاب تربة كل المنطقة، والخوف كل الخوف ان يستمر هذا الدمار الذي اهلك الأخضر واليابس، وأحرق الأرض والزرع، وقضى على الثمر، هنا قاطعه المالك قائلا: يعني شنو؟!، يعني انه حان وقت رحيلي يا سيدي، فطويلا ما خدمت الأرض وخدمتك يا سيدي، ولكنك لم تنظر ولم تلتفت إلي والى الأرض إلا حين وقعت الفاجعة، واليوم ومع هذا الخراب فقد حان الوقت لأبحث لنفسي عن أرض جديدة لعل أهلها ينظرون الي في خيرها، بدلا من أن يلومونني على خرابها، وأنا بذلك أريحك وأوفر عليك الحديث في مسألة فصلي عن العمل، فأنت قد فصلتني بالفعل يوم تركت كل شيء وسافرت وتركتني مع هذا الصديق الجاهل و«السماد الفاسد»، ومضى العامل ميمما وجهه نحو باب المزرعة مرددا «العوض عند الله، العوض عند الله».