نحتفل في الأيام الأخيرة من فبراير كل عام بأعيادنا الوطنية، ولا نستشعر فرحة هذه الأعياد وقيمتها في نفوسنا إلا بتذكر مناسباتها، ولعل ما تعرضت له الكويت قبل ثلاثة قرون من احتلال غاشم شكل كارثة ليس على الكويت فحسب، بل تركت آثارها السلبية على الوطن العربي بأكمله، حيث كان الغزو الغاشم يشكل تهديدا كبيرا لوجودنا وينذر بضياع الكويت، فكان كل فرد من المجتمع الكويتي يحمل على عاتقه مسؤولية الدفاع عن أرضها الطاهرة، فكان تماسك أهل الكويت وترابطهم بأبهى الصور وأنبلها، والتفاف أهل الكويت بجميع أطيافهم وشرائحهم حول أسرة الصباح وشرعية الحكم أعاد الكويت وأصبح سياجها الأول، فعلى الرغم من الاختلاف بين الكثير من الفئات، إلا أنهم جميعا حين أصبح الأمر يتعلق بالكويت هبوا لحمايتها، فالاختلاف في الرأي ومظاهره بين شرائح المجتمع أمر طبيعي لا يكاد يخلو منه أي مجتمع مهما اتفقت مكوناته.
لقد جعلتني هذه الأعياد أستحضر الماضي وأقارنه بما يحصل اليوم تحت قبة البرلمان من مخالفات وما حصل بعيدا عن قبة البرلمان من تجاوزات وسرقات لأدرك أنه أشد خطورة مما تعرضت له الكويت أيام الغزو، فالكويت اليوم جريحة وقد تعب سمو الأمير المفدى وهو يقول أعينوني باختيار الأفضل ولم نستجب له، فكأننا لم نعد معنيين بالكويت وكأن انتماءنا لم يعد كما كان.
إننا جميعا في الكويت نتعرض لغزو آخر، غزو ينبع من داخلنا، فالاصطفاف الفئوي والطائفي والقبلي والحزبي وغيره أصبح يحتل جزءا من نفوسنا ويهدد انتماءنا للكويت، إنه إذن التهديد الأكبر، إنه الفتنة، إنه تحدي الوجود، فنحن دون الكويت لا قيمة لنا ولا وجود، الاختلاف مبرر لكن الخلاف مرفوض، لا عيب في التلاسن ولا خوف من الحوار والاختلاف، لكن العيب ألا نتفق فيما به مصلحة الكويت وأهل الكويت.
إن تماسكنا وترابطنا والتفافنا حول قيادتنا جعلت للكويت الدولة الصغيرة مكانة عظيمة بين الدول، فلا أقل من المحافظة على هذه المكانة، ولننظر لمصلحتنا على أنها مصلحة الكويت الشاملة لكل فئاتها وأطيافها، ان التاريخ لا يرحم يا سادة، نعم المال عزيز إذا كان مالا حلالا، فلا يغرنكم البذخ الحاصل عند بعض الفئات، هذا فعل من لا قيمة له في مجتمعه المحيط به، اسألوا وتحصلوا الجواب، وأنا أسطر هذه الكلمات أردد هل ما نسمع صحيح بأن كبار القوم حرامية؟!!
أرجوحة أخيرة: من لا يجد في نفسه القدرة على التعايش مع الخليط الذي يتشكل منه الشعب الكويتي عليه أن يرحل ويترك تلك الأجيال التي تعايشت وتحابت وترابطت، وكانت السياج الأول الذي يحمي الكويت، فالكويت أولا والكويت ثانيا وثالثا وأخيرا، اللهم احم الكويت وأهل الكويت وحكام الكويت واجعلها واحة أمن وأمان، قولوا آمين.