أتى الخبر لأهل البلدة أن الذئاب تهاجم القرى المجاورة في الليل، وتفترس أطفالها، وتذبح نساءها، لكنها تترك الرجال لسبب غير معروف، فقرر اثنان ممن بقي من الرشداء والمحاربين الذين شهد لهم الجميع بالشجاعة والبطولة والخبرة في مواجهة الصعاب، أن يواجها الذئاب، وأن ينصبا لها الكمائن وقتلها شر قتلة، غير أن بعض رجالات القرية لم يعجبهم قرار المحارب والراشد، ووجدوا انهما بذلك يستفزان الذئاب، وهو ما يمكن أن يزيد من ضراوة الذئاب وفتكها، غير ان المحارب والراشد قررا استكمال طريقهما أملا في انقاذ القرية من براثن الذئاب، وبدأ كل واحد منهما في تجهيز نفسه للمعركة المقبلة والمواجهة الصعبة، غير أنه مع اقتراب الساعات الأخيرة من النهار على الزوال، وجدا نفسيهما أمام حشد كبير من مجلس وجهاء القرية الذي أمر باستدعائهما، لمحاكمتهما لأنهما يضران بمصالح القرية.
تعجب الناس كثيرا، فهجوم الذئاب هو الخطر الداهم المقبل، والرجلان لم يريدا إلا المواجهة، غير أن مندوبي الوجهاء أصروا على حضور المحارب والراشد، وأن مسألة الذئاب هي مسألة محل نظر، وربما كان خطرها مصطنعا او منسوجا من خيال الناس، فمادام لم يحدث شيء فلِمَ نستفز الذئاب ونعاديها ونهاجمها، ومن ثم فقد قرر الوجهاء عقد جلسة طارئة لإيقاف الراشد والمحارب عن مساعيهما الرامية إلى مواجهة الذئاب، ومحاكمتهما بحجة مخالفة القوانين، وعدم راجحة التصرف والقرار، والإضرار بالصالح العام، وموارد البلدة، ونظرا لخطورة الموقف، فإن الأمر لن يؤجل إلى الغد، وعليه فقد تجمع مندوبو الوجهاء وقاموا بتحضير المنصة والمقاعد، لتعقد الجلسة، وحتى تكون محاسبة الراشد والمحارب عبرة لمن يعتبر، بدأت الجلسة بأسئلة سخيفة ثم ما لبثت أن حمى حماها، فصبيان الوجهاء يعرفون كيف يتلاعبون بالكلمات ويقلبون الحقائق، والراشد والمحارب، لم يعتادا على مواجهة أنصاف الرجال، وأفعال الصبية والجهال، لذلك فقد جن جنونهما من أفعال وكلاء العملاء، غير أن هذا لم يجد، فالناس - على الرغم من استغرابها ودهشتها - إلا أنها أدمنت الفرجة والصمت عن الحق، سجال طويل دام طوال الليل وأطراف النهار، وظل الراشد والمحارب صامدين قلقين على مصير البلدة، حتى قرر الوجهاء أن تنفض الجلسة إلى إشعار آخر، قام كل من مجلسه، ونهض الراشد والمحارب ليعودا إلى ديارهما (هل هذا ما سيحدث؟).
للأسف كانت الطرقات معبدة بالدماء والأوصال، أشلاء الأطفال كانت مهترئة من كثرة ما مضغتها الأنياب، صار النحيب عاليا والبكاء، لكن بقيت الأسئلة بلا جواب، لماذا فتكت الذئاب بالأطفال والنساء وتركت الرجال، وهل بعد ما صار قد بقي من رجال؟، يا قارئي العزيز ليست هذه نهاية المقال، لكن هذه خطورة الحال، فهل بقي من رجال البلدة رجال؟!
أرجوحة أخيرة: التغريدة التي نشرتها عن طلبي لمحاكمة علنية، هي رد فعل طبيعي لكثرة الأسئلة التي تستعجب قصتي وقضيتي، فإذا كنتم تستعجبون يا سادة، فإن الجنون أحق بي من هول ما رأيت وما عانيت، فحاكموني أمام الناس، حتى يشهد أهل الكويت قضيتي ومظلمتي.