عرف العلماء الإعلام بأنه ينظم التفاعل بين الناس وتجاوبهم وتعاطفهم في الآراء فيما بينهم، فإذا وضعت أمامه القيود فسيكون عاجزا عن تطبيق مفهومه بالشكل الصحيح، مما يؤدي إلى انهيار الدولة وأركانها بسبب تلك القيود وحجبها للمعلومات، فقد أطلق المفكر (جون ملتون) دعواه الشهيرة لحرية الصحافة: «أعطني حرية ان أعرف وان أعبر وان أناقش بحرية ووعي، فهذه الحرية فوق كل الحريات»، وفي هذا السياق نفسه يقول الرئيس الأسبق للجمهورية الإسلامية الإيرانية المفكر السيد محمد خاتمي: «اعتقد ان أكبر ظلم تجري ممارسته ضد مجتمع ما يتمثل بحرمان ذلك المجتمع من آراء وأفكار أفراده، وقبل ان يحسب هذا ظلما على الأفراد يحسب ظلما على المجتمع، حيث المجتمع الذي لا يستطيع أو لا يريد ان يسمع الأفكار والرؤى المختلفة الموجودة فيه ومن ثم تحليلها واختيار الأفضل منها... مثل هذا المجتمع يغوص في مستنقع الاستبداد ولا يرى الاستقرار، ولا التطور»، ان الآراء المطابقة لرأي المفكرين ملتون وخاتمي كثيرة جدا ومن أهمها ما ذكر في الكتاب والسنة.
عندما جاء الاسلام كانت المجتمعات لا تعرف الحرية بمفهومها العادل، بالكاد كانت تعرف حرية الغزو والسلب والقتل، فأراد الاسلام ان يدفع ركب الإنسانية الى الأمام من خلال تنظيم حياة الفرد لأنه مصدر الحضارة ومقومات الدولة، فالإسلام ينظر للإنسان بمعنى الحرية، والحرية في نظر الاسلام تعني الانسان، يقول المفكر الإسلامي د.مصطفى صادق الرافعي ان حرية الانسان المسلم «تكاد تخلو من القيود والضوابط ما لم تتجاوز تلك الحرية الخط الأحمر الذي يقوده الى الحاق الضرر بنفسه أو بغيره ممن يعايشونه على أرضه، فهنا فقط تتوقف حريته حتى لا تصطدم بحرية الآخرين»، فإذا كان القول غريزة من غرائز الإنسان، ومن حقه ان يبدي رأيه وان يحاور ويمازح من يشاء فلابد أن يكون هذا القول لا يخرج عن وازع الدين والخلق بألا يكون لغوا أو نميمة أو يخدش الحياء أو يكون كلاما باطلا لقوله صلى الله عليه وسلم «قل الحق ولو على نفسك»، فالأصل في القول هو الصدق مهما كان هذا القول، لأنه عندما يصبح المجتمع صادقا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإنه سيصبح مجتمعا مثاليا يحتذى به والجميع يتمنى العيش فيه، ناهيك عن أنه مجتمع مستمر رغم كل التغيرات السياسية والاقتصادية التي يمر بها، أما قول الكذب فهو مذموم متذبذب غير مستقر ومحرم أيضا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين).
نعم إن التكتم الإعلامي الذي لازمنا أكثر من عقد من الزمان هو مفتاح الفساد، فأعطني حريتي أطلق قلمي لأضع النقاط فوق الحروف قبل فوات الأوان، ونكرر «إذا أفسدت الناس أول المشوار فلن تستطيع إصلاحهم في آخره» دمتم.