خطيئة محمية ولعظم فداحتها على المستهلك والمجتمع لك أن تسميها فاحشة الاقتصاد، تتصدى لحمايتها قوانين كثير من دول العالم الثالث، صاغها وشرعها سياسيون مخضرمون ولاعبون كبار في أسواق الجملة والتجزئة أثروا من ورائها ثراء يجاوز الوصف، ذلك الثراء في مجمله لم يأت من حرفية عالية ولا من ذكاء متقد وإنما جاء من جراء خلو الميدان من المنافسين الحقيقيين، لأن القوانين وبكل بساطة تمنعهم من المنافسة.
تدعو الشرائع والعقول الراجحة إلى مكافحة الاحتكار والتصدي للمحتكرين، وذلك لما له من أضرار ثقيلة على المستهلكين ولا سيما إن كان في سلعة تعد من الضروريات التي لا غنى لبشر عنها، فضلا عن أنه يقتل الإبداع الآتي من المنافسة ويقضي على خلق طرق جديدة ومبتكرة للتسويق والتطوير والتوسع في أسواق جديدة. من بديهيات الحركة الاقتصادية المنتعشة تدوير الأموال عبر الاستهلاك الداخلي الناتج من القدرة الشرائية المرتفعة، والأسواق التي يغلب عليها الاحتكار مهما كبرت تظل أقل نشاطا من غيرها بسبب ارتفاع أثمان السلع التي يضعها المحتكر وحده والتهامها لقدرة المستهلكين الشرائية الأمر الذي يحد من قدرتهم على اقتناء المزيد من المنتجات وبالتالي حركة تجارية خاملة ووظائف أقل.
إذا كانت بعض دول العالم الثالث تنوء من كثرة موظفي القطاع العام دون إنتاجية تذكر مع ما يصاحب ذلك من تضخم سنوي لميزانية الرواتب فضلا عن الأعداد المنتظرة لخريجي الجامعات، فكيف تشجع هذه الدول على الأعمال الحرة والمشاريع المتوسطة والصغيرة وهي تشرع الاحتكار وتحميه وتقضي على فرص الشباب بالمنافسة الشريفة لأن القانون يمنعهم من الاتجار بكثير من السلع بحجة أنها محتكرة لهذه الشركة أو تلك المؤسسة؟
من يدفع ثمن الاحتكار؟ أولا هي الحكومات، فكلما ارتفعت أسعار السلع جراء الاحتكار توجه الموظفون لها وطالبوها بزيادة الرواتب والسيطرة على الأسعار، ومن أجل قطع دابر هذه المطالبات التي لن تنقطع في ظل الأسواق المحتكرة، على الحكومات أن تتصدى للاحتكار وتنسف القوانين التي تشرع له وتفتح الباب على مصراعيه للمنافسة الشريفة وفق ضوابط تضعها الجهات المعنية، وهو ما سيمكن من السيطرة على زمام الأسعار المنفلتة ويجعلها في متناول المستهلكين تحت بند العرض والطلب وتعدد المستوردين لا الاحتكار والاستئثار، كما أن السلطات ستخلي مسؤوليتها عندئذ من ارتفاع الأسعار لأن ارتفاعها سيكون وقتها حقيقيا وليس مصطنعا.
كانت الولايات المتحدة الأميركية الدولة الأولى في التاريخ التي تشرع قانونا يمنع الاحتكار ويمهد لبناء اقتصاد السوق الحر عبر تشريع أطلق عليه قانون شيرمان وذلك في عام 1890، جاء هذا القانون الذي أقرته المحكمة فيما بعد ردا على اتفاق الشركات الكبرى المتنافسة على تحديد الأسعار فيما بينها وهو ما أثقل كاهل المستهلك الأميركي، وفي أيامنا هذه منعت سلطات مكافحة الاحتكار الأميركية استحواذ شركة هاليبرتون النفطية على منافستها الأصغر بيكر هيوز وعللت ذلك بأن الاستحواذ سيؤدي إلى إضعاف المنافسة وارتفاع الأسعار وتراجع الابتكار. لم تكن سلطات مكافحة الاحتكار الأميركية لتتراجع عن منع الاستحواذ على الرغم من «النفوذ الكبير» للشركات الكبرى بما فيها هاليبرتون في أروقة الكونغرس و«الضغط السياسي» الذي يملكه كبار مالكي الأسهم.
٭ منعطف: الاحتكار شر محض، وحمايته مهما اختلفت التسميات فساد مطلق.
mohd_alzuabi@