بمجرد أن ينظر ضابط التفتيش إلى الجوازات، ويرمقك بتلك النظرة الأمنية، تدخل لعبة القدر..
وتجلس في غرفة الانتظار عند البوابة المخصصة للمسافرين، أنا إلى بيروت مثالا..
داخل غرفة الانتظار مجتمع مصغر، من أحسن النظر رآه شاملا كاملا متكاملا.. طبيب، بائع، متعهد بناء، سائق، وهناك اللص والنصاب أيضا، غير أن هؤلاء يحتاجون نظرا ثاقبا أكثر لاكتشافهم.
جلست بقربي امرأة ومعها خمس بنات، اتصل زوجها للاطمئنان، فقالت: «أهلا أبو البنات، ضحكت من شدة المفاجأة، فأنا أب لابنتين، إذا فأنا أبو البنات ايضا..».
في زاوية الغرفة بجانب النافذة طفل ينظر الى الطائرة ويمد يديه مقلدا الجناحين، من يدري ربما يكون طيارا مقاتلا في المستقبل، أو طيارا مسالما..
شابان يسندان ظهريهما الى المقعد ويتهامسان، ترى من الأجمل..؟
هذه أم هذه، لم يجاهرا بالقول لكن العيون لا تكذب..
في جوار الباب امرأة تحضن طفلها وترضعه وجبته الأخيرة قبل النوم، لا شيء يشبه تلك الصورة الا الجنة..
هناك رجل مسن جلس وحده يرتب أدويته ويتنفس بعمق ثم يهز رأسه راجيا الصعود..
الناس تريد الصعود وأنا أريد مراقبة الوجوه، لكل منهم قصة، لكل منهم حكاية منفصلة، لكل منهم من ينتظره إلا هو.. ذاك العجوز الحزين الوحيد...
لم يقل ما به، لكن إغماءه فيما بعد على الطائرة كشف مرضا رهيبا يسمى الصرع..
بيروت، بيروت، بيروت..
انتهى المشهد، ازدحم الممر المؤدي إلى الطائرة، «التيكت أستاذ».. أعطيتها تذكرتي..
ثم سلمت روحي بين يدي الكابتن ومشيت رهين تلك الآلة الجبارة التي تسمى الطائرة.