هنا أصبحت المحطة التي تنقل المسافرين
من دمشق الى طرطوس...؟
سألت سيدة تجلس الى جوار مقعد الحديقة فلم تجب، لعلها نائمة..؟
نظرت الى الساعة وكانت تشير الى الواحد الا ربع شوقا...
مشيت هائما الى غير هدى أريد العودة فقط..
ترى اي باص واي وجهة.. لا ادري
في المحطة اناس غريبو الأطوار جميعا، يخيل اليك للوهلة الأولى انك الغريب الوحيد هنا، فالأدوار مرتبة ومنسقة وكل اعتاد دوره الا انت..
لكن الحقيقة مختلفة تماما.. كلهم غرباء..!!
سيدة تنادي ابنها ليقف جانبها خوفا ان يضيع..
كان قد خرج ابنها الأكبر في 2013 ليجلب الخبز ولم يعد..
بائع سجائر يحمل صندوقه الخشبي ويعمل تحت سلطة تاجر ازمة من الدرجة الثانية، يصرخ: استاذ «باكتين بسعر واحدة، اصلي مو تهريب»
فتاة في الثامنة من عمرها تفترش الأرض امامها لتبيع مكتبة ابيها المتوفى حديثا بقذيفة هاون، اطلقها قلب اب حاقد لتوقف قلب اب لخمسة ايتام ذنبه الوحيد انه مر بالصدفة من ساحة باب توما...
في عينيها بكاء ألف عين وحزن ألف قلب..»
تقول: أعيش هنا على الرصيف.. هنا منزلي
لم أسأل.. تكلمت من تلقاء نفسها
يتصدر عمود الكتب امامها كتاب المجموعة الكاملة لجبران.. وأسأل: أتعلمين ما هذا ومن هذا..؟
تجيب: لا عمو بس «سعرو 2000 ليرة»
ضحكت وتمنيت الا يعود جبران للحياة حتى في الكتاب. ثم اعطيت الطفلة 5000 ليرة ومشيت..
ينادي رجل من بعيد.. بويا استاذ
لا شكرا.. اعتدت تنظيف حذائي بنفسي ولا اقبل ان ينظف حذائي احد.. احسها نوعا من.. لا أعلم
الشغل مو عيب.. يجيب غاضبا
بجانب عمود الإنارة رجل كبير في السن، اب لشهيدين وجريح، كان قد خرج من دمشق للبحث عن منزل في الضواحي بعد ان ذهب منزله في الحرب...
وعلى بعد مترين لا اكثر فتاة جامعية مع حبيبها الفار من خدمة العلم تطلق الضحكات في الهواء معلنة انتهاء الأزمة «بينهما» أما هو فيشتم ويحلل عسكريا اين وصل الجيش على مواقع التواصل...
ماذا ننتظر..؟
اسأل: ويجيب صاحب الباص
قف في الزاوية أستاذ ننتظر وصول باص الحياة
في هذه اللحظة بالذات شعرت ان قلبي يعتصر على ماض حزين..
كان الكراج مليئا بالناس والمسافرين، أصبحنا نسافر من تحت الجسر الآن..
حتى الباصات أصبحت بلا مأوى...!!!
نادى السائق على الجميع بالصعود..
وقفت اتأمل ما بقي، من الوجوه العابرة، حاولت الوقوف وفشلت في الاختبار للمرة الأولى..
تمالكت نفسي وصعدت ونسيت ما حصل في الجوار، تركت احلامي وقلمي وبعضا من اوراقي هناك على المقعد.. لم يبق الا المقعد لم يدمر
لم يبق شيء سوى خربشات الذاكرة..
متى سنصل الى طرطوس..؟
ثلاث ساعات الا حنين..»