جلس على أريكته..
تناول فنجان قهوته، أشعل سيجارة ونفث دخانها عاليا، ثم قال:
بالتأكيد سيدتي..
يوما ما سنقول وداعا، ويوما ما سنصل الى قناعة أنه لم يبق على وجه الأرض مكان يقوى على جمعنا معا..
حتى فكرة وجودنا معا باتت مستحيلة..!!
عندها لابد من قول: وداعا بقناعة سخيفة تخلو من الندم عارضين اسبابا شتى وربما نستعرض ذكرياتنا على طاولة تعلوها كأسان من الوسكي وبعض الثلج.. غير أني غير مقتنع بصدق الكأس حتى..
سأحمل اوراقي وبعضا من خيبتي وأنهض رافضا ما قررناه.. ثم ستقولين: تمهل.. انتظر.. كيف سأقول للغد أهلا.. هل أنت ذاهب..؟
سيدتي..
كيف سأجيبك وانا مهمش المشاعر تحت عجلات الرحيل..
كيف أتسلى بقضم أظافري وأنت تتابعين حديثك الشرقي البالي وأسبابك الشرقية البالية..؟
كيف أضحك بصوت مرتفع وأنا البكاء الحزين..؟
أأجهض جنين الشوق..؟
أم أرتكب حماقة اخرى غير نادم طبعا..؟
هل من حبوب للنسيان..؟
سيدتي..
هل من طريقة نوم دون اللجوء للحلم قسرا..؟
إذن أجيبيني..
كيف أتخلص من عادة الحديث عنك للأصدقاء والمارة..؟
كيف أراك تحدثين غيري ولا أشتعل غيرة وحسرة..؟
ترى كيف يكون الموت بهدوء..؟
تمسك بيده التي أرهقها العمر وتبتسم ابتسامة خفيفة ثم تجيب...
عزيزي..
في كل ليلة أسهر بصحبة القمر، وحولي بعض صورنا وما بقي من رسائلنا..
البارحة فقط.. تمنيت أن أصرخ بأعلى صوتي منادية باسمك، شغوفة بلفظ حروفه الرنانة..
أتذكر تفاصيل المكان..؟
أتذكر اللحظات الجميلة والضحكات العالية والقبلات والقصائد..؟
لو سألناه لشهد لنا..
إن دوام السعادة لهو ضرب من المستحيل، ان الزمن يقسو على العاشقين يا حبيبي..
حتى لو ابتعدنا.. ستظل روح الذكرى تجمعنا، ورسائلك العاشقة تقربنا...
ثم اني لن انساك، سأروي ورود حبك في قلبي كي لا تذبل وسأخبر اولادي واحفادي عنك..
انت باق في قلبي مابقيت الروح في الجسد..
جمع أوراقه، أدخل قلمه في جيبة القميص، شرب مما بقي من فنجان قهوته ثم نظر الى عينين لن يراهما بعد الآن وقال:
هذا ما كلمتك عنه، هذا ما قصدته..!!
هي وداعا بقناعة سخيفة تخلو من الندم، واستعراض للذكريات لا اكثر، واختبار من منا قادر على تحمل الغياب والعذاب اكثر..؟
خرج من الباب ثم عاد ليفتحه مرة أخيرة وقال:
حبيبتي..
لا عليك، تنفسي ما بقي من عطري في الأجواء، لن اكون بطلا للروايات الفاشلة بعد اليوم..»