ثلاثة لا يكتمل أحدها دون الآخر...
لكن هذه الليلة تختلف عن الليالي الأربعين الماضية، شيء ما يستفزني للكتابة في ضباب التفكير وزحمة الأفكار ورذاذ الحواس...
هنا...
لا شيء أجمل من التراس في حديقة منزلي الريفي...
الياسمين المنتشر على طرفي الحديقة دافئ ومريح، وخمس وردات جورية تحاكي أشجار الليمون في الحديقة غير آبهة بشرطي الظلام...
جرة صغيرة، نخلتان، بعض الدجاج، عدد من الأرانب وأربع بطات...
أنثى الأرنب وضعت حملها سبعة أرانب لينطلقوا في معركة الحياة...
أشجار الرمان تثرثر عما دار من أحاديث في الليل الفائت...
أصوات عواء ابن آوى فيها شيء من الاستنجاد بلا أحد
قالت لي أمي ذات مرة:
ان أبناء آوى كانوا قد سكنوا القرى قبلا وأن الكلاب سكنت الغابات ولما دب الجوع بالكلاب طلبوا ان يأخذوا مكانهم يومين فقط فوافقوا...
لكن الكلاب سكنوا القرى وتقربوا من بني البشر وغدروا بأبناء آوى...
وفي كل يوم يعوي أبناء آوى قائلين: ألم تشبعوا بعد
فيعوي الكلاب قائلين: لم نشبع بعد...
حتى في مملكة الغابة هناك شيء من الغدر.. (سنة الكون)
في هذا الوقت..
أشرب فنجانا من القهوة وأشعل سيجارة وأسلم تفكيري الى اللامكان وأغيب..
لعلي في هذا الجو العابق بعطرك أقابل طيفا آثر الرحيل...
صوت ضجيج السماء له وقع خاص هذا اليوم، وصوت زفير الليل يخترق القلوب قبل الآذان..
أتعلمين..؟
وجهك يملأ المكان في كل بيت وكل زاوية..
ساعتان او ثلاث ويبزغ الفجر
تختنق الشوارع بالمارة، يصبح الهواء مثقلا بالهموم...
يخرج الناس من جحور الأرانب في البنايات الشاهقة غير آبهين ولا مهتمين بما يدور هنا
لا الومهم...
فهم لم يعلموا كم ملاكا يجلس معي في حديقة بيتنا الريفي... الآن
او كم ملاكا يمشي معي على ضفتي عمر يمضي مسرعا
أرثي لحالهم جميعا..
ورغم كل هذا... لا زلت اشتم عطر الياسمين في مدخل البيت مشبعا بعبير امي...
أرواحنا مريضة...
بداخل كل واحد منا شيء يسلبه طفولته، يسلبه ماضيه...
حين تولد... يكون لزاما عليك ان تعيش وفقط تعيش
وحين تحاول ان تسأل لماذا نعيش..؟
لن يجيبك أحد...
بداخلنا شيء يأكل الذكريات كما القوارض، نترك أشياء منا، من نفوسنا، من أرواحنا، من نحن..
ونعود في كل عام لنبحث عنا فلا نجدنا.. أليس بالشيء الغريب..؟؟
هذه الحياة حزينة دون أن تعلم يا صديقي..
لكنها لا تخلو من بعض اللحظات الغريبة التي تشعر فيها بالحب... !!!