قاسية الملامح..
مجعدة الشعر، شاحبة الوجه قليلا، يداها ملفوفتان على بعضهما، كما الجناحين، سر العيون التي أرهقها السهر..
تجلس على كرسيها الهزاز مقابلة لبرج صافيتا الشامخ..
منتظرة ابنتها وحفيديها القادمين من الشام..
في الباص تجلس أم علي مع طفليها منتظرة النداء الأخير..
أختي: وين واصلين..؟
يسأل المساعد..
تجيب أم علي: «جئنا من دمشق، سافرنا طوال الليل، أمتعتنا نحن وحقيبتان وصندوق خشبي..».
سكت الجميع ثم غرق الباص بالصمت، أشعل السائق الإضاءة الخفيفة.. ونام الجميع..
توقف مفاجئ..
تفتيش ع الهويات..
ينزل الركاب جميعا، يسأل الجميع: جيش، أو مسلحون، مين، خبرنا..!!
لا مو جيش، يجيب سائق الباص..
استيقظ الطفلان على صوت صراخ الأم، عمو وين أخدينها..؟
يجيب أحد المسلحين: ع جهنم..
تهمس الأم لطفليها بضع كلمات وتنسحب هي وبضع مخطوفين آخرين..
يصرخ الجميع.. وقف عندك..!!
طلقة في رأس أحد الركاب كفيلة بإخراس الجميع..
مشى الباص ولا أحد يعرف أين ذهب الجميع!
يصل الجميع الى المحطة، السائق: لوين واصلين عمو لوين بوديكن..
يجيب: خلص خدنا عند ماما..
في المخفر يجلس سيادة النقيب رافعاً رجليه على المكتب مستقبلا الجميع متسائلا عن إثبات الخطف ودليله...
بكاء الأطفال مرعب، وصوت الألم حزين..
لوين جايين..؟ يسأل..
لعند ستي..
وين؟
صافيتا..
يرفع أحد الأشخاص يده معلناً معرفته بأهل المظلومين..
يكتب النقيب المحضر.. محضر خطف تحت تهديد السلاح..
ثم يتم تفتيش الأمتعة، يمسك الطفل الصغير الصندوق طالباً أن يأخذوا كل شيء ويتركوا الصندوق..
أصروا على فتح الصندوق، إنها صورة هههه يضحك الجميع، الطفل: صورة أبي الشهيد، يخيم الصمت مرة أخرى..
بيت الجدة كبير، وعلى الطريق الواصل إليه كل أنواع الأشجار.. تصل السيارة ما يقارب الـ200 متر ثم تتابع مشياً على الأقدام..
في حديقتها خضار وفواكه وطيور وما شابه ذلك..
وهناك كلب للحراسة أيضاً..
أخذ الشرطي الطفلين إلى بيت الجدة...
في الطريق يسأل الصغير: ببيت ستي بفتشو عالهويات..؟
يضحك الشرطي: لا عمو لا بس عنا في تفتيش..
استقبلت الجدة الطفلين باكية، لم تسأل عن التفاصيل، لكنهم أبلغوها بالحادثة..
صعد الأطفال إلى العلية ليضعوا أغراضهم، ثم تفحصوا المنزل الواسع.. افترشوا أرض الغرفة وغابوا..
وفي الصباح..
صنعوا مفتاحا لجميع الأقفال ووضعوه تحت شجرة السنديان..
مررت بالأمس ورأيت الطفلين قادمين من المدرسة اطمأنوا على المفتاح ثم هموا بالدخول..
وحين سألت عن سبب إخفائه قالوا: مرت سبع سنوات على غياب أمي، لكن إذا عادت في وقت متأخر ونحن نيام، ستجد المفتاح تحت الشجرة.. كما همست لنا حين ذهبت..