الرابعة فجرا.. القرية تغفو على صوت المطر، بضع نوافذ مضيئة تشكو قلة النوم...!!
أجالس نفسي وقلمي وابريق متتي وحيدا في الظلام..
صوت قطرات المطر المتساقطة من الشجر تناشد الأرض لاحتضانها وغيوم آثرت الرحيل عنوة..
في بيتنا أربع بطات علت اصواتها منذ قليل، كأنها تعلم أن مكوثنا في الحديقة شارف على النهاية..
بالأمس وصلنا، او كأنه الأمس..؟
خلال اجازتي شاهدتني طيور السمان عدة مرات اطارد ريشها في الهواء، غير اني اعتدت الصيد ما اعتدت القتل..
جعبتي فارغة من الطلقات لكنها مليئة بالأحلام...
بجانب كرسيي الأخضر شجرة رمان يسكن بين اغصانها عنكبوت ابتلت شبكته ودمرها الهواء واوراق الشجر عدة مرات، ثم أعاد بناءها غير مكترث بالطقس..
ديكنا يصيح مبكرا...!!
قلت لأمي ذات مرة انه معتوه او لعل ساعته الفيزيولوجية قد هرمت..؟
ضحكت ثم شربت شفة القهوة وابتسمت كأنها الشمس..
أرادت ابنتي رؤية الثلج واللعب بالثلج وحين قلت لها انها لم تثلج.. قالت: فلنشترِ الثلج..؟
فأجبتها: هناك اشياء غير قابلة للشراء، الثلج مثال والحب مثال آخر...
بالأمس قدت سيارتي في اراضي القرية، وصلت الى الطاحونة القديمة..
عبق التاريخ ينتشر في الأجواء، وصوت جنون الماء ينذر بالحنين..
لكن بين شجيرات الليمون عطر مميز جدا، عطر رقيق، حنون، ومفعم بالروح..
انه عطر من اشتموا رائحة التراب ممزوجا بالمطر والأصالة..
رائحة جدي وأخوالي، عطر لن يشتمه الا من عرفهم يوما..
هذي هواجس مجنونة ترافقني كل مرة قبل يوم السفر وبعده..
ترى متى ستجبر خواطرنا وتقودنا أجنحتنا الى هنا، دون ان نعود الى هناك..؟