يبدو أن د. حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان أراد أن يستثمر فرصة الربيع العربي فأعلن عن نيته إسقاط نظام الرئيس عمر البشير وأنه سيتحالف مع قوى المعارضة الأخرى (الإجماع الوطني) ليحقق أهدافه بصورة سريعة لأن المسألة غير قابلة للانتظار حسب زعمه، وقد وصف د.الترابي نظام البشير بالفاسد والكريه، وأضاف أن الخروج عليه فريضة عاجلة على كل السودانيين، لكنه ـ بحمد الله ـ لم يقل: إن هذه الفريضة مثل الصلاة أو الصيام أو حتى الجهاد، وهذا يحسب له وفقه الله.
لست سودانيا ـ لكني أحب السودان وأهلها ـ كما أنني لست مع أي نظام يستمر رئيسه حاكما مدى الحياة، ولا يخضع للمساءلة والمحاسبة بشكل دقيق، وأعتقد أن النظام السوداني بحاجة ماسة وسريعة إلى إحداث تغييرات جذرية لإصلاح أوضاع السودان الداخلية وعلاقاتها الخارجية ومواجهة الأخطار التي تحدق بها خاصة بعد انفصال الجنوب عنه وتغلغل القوى الخارجية والصليبية في دولة الجنوب وتأثيرها بالتالي على الشمال، هذا كله ما اعتقده لكنني في الوقت نفسه أعتقد أن د.الترابي آخر من يمكنه القيام بذلك فتاريخه الطويل يثبت أنه كان يعمل من أجل ذاته ومصالحه وأن كثيرا مما أصاب السودان كان له ضلع فيه.
د. الترابي عمل مع البشير جنبا إلى جنب، بل إن كثيرا من السودانيين كانوا يرون أن الترابي كان هو الحاكم الفعلي للسودان من خلال عمله رئيسا للمجلس الوطني (البرلمان)، لكن طموح الترابي المتزايد جعله يدخل في صراع مع البشير منذ عام 1998م، كما جعله يبدأ حملة تأليب على البشير في كل أنحاء السودان مما جعل الرئيس البشير يحل البرلمان عام 1999 ويقصي د.الترابي بصورة نهائية، لكن د.الترابي وقع مذكرة تفاهم مع زعيم الحركة الشعبية (جون قرنق) عدو السودان الأول آنذاك لكي يتعاون الجانبان ضد الحكومة السودانية وإذا عرفنا أن د.الترابي كان يدعو السودانيين لجهاد الجنوبيين باعتبارهم كفارا، وعرفنا الأعداد الكبيرة من شباب السودان الذين قتلوا في هذه المعارك (المقدسة) أدركنا كيف أن د. الترابي كان يسعى لتحقيق مصالحه الشخصية مهما كانت الوسيلة ومهما كان الثمن الذي يدفعه السودانيون من دمائهم وأموالهم وأمنهم.
انفصل الجنوب وأعتقد أن للترابي دورا في ذلك، وبفضل تشجيعه تمرد إقليم دارفور ومات من أبنائه الآلاف ولا نعرف كيف سيكون مستقبله ثم مستقبل السودان بشكل عام، والآن يدعو الترابي لتمرد سريع يصفه بأنه (فريضة عاجلة) ربما ليستعجل قطف الثمرة قبل فوات الأوان!
كان بإمكان السودان أن تكون واحدة من أغنى بلاد العرب لو أن أهلها اتحدوا على حمايتها واستغلال ثرواتها، لكن بعضهم عمل على تفتيتها وإضعافها وإنهاكها اقتصاديا وسياسيا، ود. الترابي واحد من هؤلاء، وكان الأجدر به وبسواه أن يقفوا مع وطنهم في محنته. من حق جميع السودانيين أن يبحثوا عن الأفضل لهم، ومن حقهم أن يغيروا حكومتهم، لكن من واجبهم ومن حق العرب عليهم أن يحافظوا على وحدة وطنهم وتماسك أجزائه ليبقى سودانا واحدا.
[email protected]