الحالة التي تمر بها السودان لا تسر إلا أعداءها، فلا تكاد السودان تخرج من أزمة إلا تقع في أخرى، ومن غير المقبول أن تبقى الحكومة السودانية تتهم الأيدي الخارجية أو «الصليبيين» ـ كما يقول البشير ـ بأنهم وراء كل أزمات السودان دون أن تتحرك هذه الحكومة بجدية لإصلاح أوضاعها الداخلية والتصالح مع جميع أطياف المجتمع السوداني.
في قضية «هجليج» التي احتلها الجنوبيون وقف العالم مع حكومة السودان لأن ما فعله الجنوبيون كان عملا عدائيا فاضحا، ربما أرادوا منه الضغط على حكومة الشمال التي اتهموها بسرقة نفطهم، فكانت «هجليج» مدينة النفط التي يعتمد عليها السودانيون هي وجهتهم لتحقيق مآربهم فكان أن احتلوها وببساطة شديدة.
أمير قطر استنكر ما فعله الجنوبيون وأدان أفعالهم وطالبهم بالانسحاب الفوري حقنا لدماء السودانيين جميعا، ومثله فعل أمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون» وعدد من قادة وزراء الخارجية العرب وغيرهم لكن قادة الجنوب أصروا على فعلهم تحت ذرائع واهية فقام الجيش السوداني بتحرير هذه المدينة وإعادتها لحوزة أصحابها ولكن مشاكل الدولتين لن تنتهي بهذا الفعل، فالجنوبيون مازالوا يصرون على أن مدينة هجليج هي مدينة سودانية جنوبية وانهم سيأخذون مرة أخرى ولكن بالطرق الديبلوماسية كما يقولون هذه المرة!
الرئيس البشير قصر كثيرا في الماضي وكان انفصال دولة الجنوب التي تشكل ثلث مساحة السودان تقريبا سببها عدم حسن إداراته لكل السودان، جنوبه وشماله، مما جعل اطرافا عدة في السودان يتخلون عنه ـ أحيانا ـ ويتآمرون عليه وعلى بلادهم ـ أحيانا اخرى ـ حيث وجد نفسه في نهاية المطاف غير قادر على الحفاظ على جزء من بلاده فاضطر لتسليمه للآخرين الذين وقفوا ضد وحدة البلاد قبل الانفصال وما زالوا كذلك بعده.
الرئيس البشير لايزال يواجه خطر الدعوة لانفصال أجزاء أخرى من بلاده، وهذه الدعوات لا تواجه بـ «العصا» أو وصف الآخرين بـ «الحشرات» بل تحتاج إلى إعداد جيد يشمل الجيش والمواطنين مع إدارة جيدة تفعل أكثر مما تتكلم.
لاشك ان هناك أيادي خارجية تريد تفتيت السودان وإضعافه، والأميركان والصهاينة أكثر الساعين لتحقيق هذا الغرض، وقد نجحوا ـ حتى الآن ـ في فصل جنوب السودان عن شماله، كما نجحوا أيضا في ربط حكومة الجنوب بالصهاينة، وأتوقع أن القادم أسوأ!
صحيح أن العرب اتخذوا موقفا سلبيا مما كان يجري في السودان قبل تقسيمها، وصحيح أن الحكومة المصرية السابقة أغمضت عينيها عن كل ما يجري مع أنها هي المتضررة الأولى منه، ولكن ضغوط الصهاينة والأميركان جعلها تصمت حتى تنتهي مؤامرة التقسيم، وهذا ما حصل فعلا لكن اللوم يقع على السودانيين أكثر من غيرهم لأنهم هم المعنيون ببلادهم بالدرجة الأولى ولولا اختلافاتهم التي أضعفتهم جميعا ولولا وقوف بعض القوى مع الانفصال الجنوبي ومع متمردي كردفان لما تمت هذه المأساة التي أرقت وستبقى تؤرق السودان لسنوات طويلة.
العرب مدعوون جميعا لمؤازرة السودان خاصة المصريين للحفاظ على ما تبقى منها، عليهم مساعدتها ماديا ومعنويا والاستثمار في أراضيها الزراعية التي ستؤمن لهم جميعا الأمن الغذائي والأمن بشكل عام.
علينا أن نتذكر أن الصهاينة وجدوا لهم مكانا كبيرا في جنوب السودان وأنهم قد يتمددون من خلاله لأماكن أخرى تؤثر سلبا على العرب جميعا، وبما أن الكلام وحده لا يكفي فلابد من عمل يوازي المخاطر التي نراها.
[email protected]