تصرفات المرء وتحركاته لا يمكن أن تنطلق بعيدة عن المخزون الثقافي القيمي الذي يحمله، بل هي في حقيقتها انعكاس لذلك، ومن هنا يمكن أن تعرف ثقافة مجتمع ما من تصرفات أفراده، ولذا نجد الدعوات تتصاعد دوما وأبدا لحسن اختيار العاملين في المطار والمواقع الحدودية «على سبيل المثال» على اعتبار أن الإنسان الزائر سيكوّن فكرة ما عن أخلاق المجتمع من احتكاكه بتلك المجموعات.
وكم حكمنا على مجتمعات مختلفة من تعاملنا مع سائقي سيارات الأجرة عندهم او العاملين في المحلات، مع أن هؤلاء قد ينطلقون من نظرات شخصية مصلحية كما انهم قد لا يعكسون حقيقة المجتمع وطبيعته لكن لا سبيل لمعرفة طبيعة تلك المجتمعات وثقافاتها وقيمها إلا من خلال أولئك خاصة حين نكون زائرين لها.
ونظرة واحدة لتصرفاتنا في الأماكن العامة لدينا نجد كم يظلم بعض الأفراد المجتمع بتصرفاتهم الطائشة الرعناء وكم يخلقون انطباعا سيئا لدى الآخرين عن أهل الكويت. فمن تسابق وتزاحم على الفرص أيا كانت حتى لو كانت موقفا لسيارة وميل الى الصراع والعراك وكأن الجميع يعيش على أعصابه، ومن أولويات تافهة لا تستحق أي اهتمام نحرص عليها ونتصادم من اجلها ونجعلها أساس الحياة لدينا في حين أنها لا تساوي شيئا مذكورا.
لا شك أن هذه الطبائع ليست متأصلة في المجتمع الكويتي ولا تعكس طبيعته لكنها هي التي تطفح على السطح، وللأسف يبدو موقف المجتمع الكويتي أمامها سلبيا إلى حد التراخي ولا اعرف لماذا لا يرفع صوته عاليا لإنكار تلك التصرفات الشائنة ولماذا يريد من الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية أن تقوم بكل شيء، فالوزارة مهما أوتيت من قوة وإمكانات لا تستطيع أن تغير ما في النفوس أو تزيل ما في العقول.
لقد تخلت الأسرة عن دورها الطبيعي في التوجيه والإرشاد مختارة ومجبرة، هي مختارة لأنها انشغلت بأمور تافهة واتجهت إلى تدليل أبنائها وعدم منعهم من بعض الأمور بل وفي بعض الأحيان دعمت لديهم محاولات الاعتداء والتجاوز وهي مجبرة لأن بعض الوزارات تخلت عن مسؤولياتها وحولتها للأهالي خاصة وزارة التربية التي جعلت من البيوت قاعات درس أخرى فقامت الأسر بالتعليم وغدى شغل الأمهات تدريس الأبناء ومتابعتهم تحصيلهم ليل نهار فتوترت العلاقة بينهم وأصبح الطفل يحرص على الهروب من امه فضاع الجانب التوجيهي من الأسر واختفت القيم. واصبح النشء الجديد يتلقى قيمه وثقافته من وسائل التواصل الاجتماعي غير البريئة التي استغلت ابشع استغلال خاصة تويتر المشحون بالتوتر والمماحكة والنزاع والعصبية.
وبذا ضاعت الأمانة القيمية التي نقلها الآباء إلى أبنائهم فتوقفت عندهم ولم تنتقل للأحفاد للأسباب التي قدمت. وبهذه الطريقة لم نعد نتعرف إلى الثقافة الكويتية الحقيقة الأصيلة التي قامت على العمل والكفاح وما تولد عنهما من مشاعر ومبادئ وأخلاق وأصبحت حياتنا مزيجا من التصرفات الفردية التي غدت خلقا عاما فغدت وكأنها الطبيعة الكويتية. فهل إلى خلاص من سبيل؟
[email protected]