في المقال السابق تطرقت في الحديث عن القيم الكويتية التي اختفت معالمها وأضاعها كثير من شباب الكويت بتصرفاتهم الطائشة فحلت بدلا منها تصرفات أنانية قوامها المصلحة الذاتية والتكالب على الفرص بحق أو من دون حق فساعد ذلك على ضبابية الهوية الكويتية واهتزاز الشخصية بل فقدان معالمها الكويتية.
ومازلت أذكر أن وزارة التربية ممثلة في إدارة البحوث التربوية أرادت أن تقوم ببحث عن معالم الهوية الكويتية في مناهج التربية ولا أعرف ماذا انتهت إليه.
أنا شخصيا لا أعتقد انه يوجد الكثير من مظاهر تلك الشخصية في المناهج وإن وجدت فهي لا تتعدى المظاهر الإسلامية العامة التي يشترك فيها الكويتيون مع غيرهم وبالتالي فإن مناهجنا لا تقدم صورة واضحة المعالم للإنسان الكويتي التي يراد بل يفترض أن تقوم الوزارة بشكل كبير بتعزيزها.
والأنكى من ذلك انه لم يعد احد يهتم بالحديث عن الهوية الكويتية وان تطرق لذلك شخص ما فهو أو هي يتحدثان عن شيء هلامي لا معالم واضحة له.
ولقد حاولت مرة أن أثير موضوع الثوابت الكويتية على صفحات تويتر لأقدم إطارا عاما أو اقترح صيغة عامة للشخصية الكويتية تكون موضع اتفاق عام ويتم الالتزام بها من قبل المفكرين والباحثين والكتاب لتساعد في تهذيب إن لم يكن إيقاف الفوضى والتسيب في الأخلاق والتصرفات.
بل قمت بإرسال رسائل إلكترونية بهذا الشأن إلى عدد من الكتاب الصحافيين ذوي الرأي والاختصاص طالبا منهم تحديد معالم أو مظاهر أو حدود أو مفهوم الثوابت الكويتية فلم يرد علي إلا القليل القليل منهم وحتى من قام بالرد لم يقدم فكرة واضحة.
المجتمع الكويتي ليس مجتمعا طارئا وان كان عمره الزمني قصيرا قياسا بعمر الشعوب والمجتمعات لكن الكويتيين استطاعوا أن يكونوا لأنفسهم إطارا خاصا وان يقدموا نموذجا معينا للشخصية واستمرت الأجيال في الحفاظ على ذلك الإطار إلى ما قبل الغزو حيث حدثت هجمة تغريب أو تخريب لمعالم تلك الشخصية وانشغل الجميع بمناكفات سياسية ومنازعات طائفية وصراعات عرقية قبلية وغير قبلية وصار البحث عن الفرص والمزايا والمراكز هو الشغل الشاغل لعلية القوم بل وحتى بعض أبناء الطبقات الأخرى الذين عرفوا أن اللعبة الاجتماعية هي في الحصول على مركز مالي أو وجاهة اجتماعية.
وساهمت الدولة في ذلك بشكل خطير حيث تركت الحبل على الغارب ليقوم الشارع بتشكيل معالم الشخصية الكويتية الحديثة واكتفت بخطاب مبهم قوامه اجترار مفاهيم غير حقيقية مثل «الأسرة الواحدة» و«عاداتنا وتقاليدنا» دون أي تطبيق لتلك المفاهيم البناءة. فما هو الحل؟
لست اقدم هنا تنظيرا لمعالجة هذا الأمر لكني بصراحة أدعو من بيدهم الأمر أولا والمهتمين ثانيا ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام لمناقشة هذا الموضوع وفرض أو إشاعة ثقافة جديدة ترتكز على الثوابت الكويتية بعد أن تحددها وتبلورها بدلا من تركها لغزا هلاميا غير المفهوم.
فنوجد بذلك إطارا للسلوك المقبول ونخلق ضميرا اجتماعيا يرفض كل سلوك شائن وينبذ كل عمل باطل بعد أن اختلطت الأمور وتداخلت وتشابكت المصالح واختفى ذلك الضمير الاجتماعي الحي البناء الذي يقبح العمل السيئ ويدينه قبل أن تصدر المحكمة حكمها فيه.
[email protected]