لم يكن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ليترك الناس تتلاعب بهم الأهواء والآراء والسياسة دون أن يوجههم الوجهة الصحيحة ويرسم لهم خط النجاة من الاختلاف والضياع كيف لا وقد شهد مصرع أبيه الإمام الحسين وصحبه بذلك الشكل المروع من أجل ذلك الهدف السامي، فكان لابد أن ينح منحى أبيه ليوجه دفة المسيرة الإسلامية في ظروف بالغة الدقة والحساسية.
اتخذ الإمام زين العابدين خطا فريدا من أجل ذلك حيث لا يثير عليه السلطة الحاكمة ويضمن له القيام بدوره كاملا وكان له ذلك حين جعل من الدعاء والابتهال للخالق العزيز المنصة التي يرسل منها توجيهاته وتعليماته وعلومه، فجاءت أدعيته بيانات محكمة ومفصلة تعرض مبادئ الدين وتوضح بكل جلاء مناهج الإسلام في التربية والأخلاق وأسلوب الحياة وجسدت معنى الوحدانية لرب العالمين والعبودية له في أوضح صورة.
خذ مثلا قوله: «يا من في السماء عظمته، يا من في الأرض آياته، يا من في كل شيء دلائله، يا من في البحار عجائبه..» وقوله «أنت الذي فتحت لعبادك بابا إلى عفوك سميته التوبة، فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه» وقوله «إلهي إليك أشكو نفسا بالسوء أمارة وإلى السوء مبادرة وبمعاصيك مولعة..وتجعلني عندك أهون هالك» وقوله «اللهم..وسددني لأن أعارض من غشني بالنصح، وأثيب من حرمني بالبذل وأكافئ من قطعني بالصلة».
هذه الفقرات تنبئ بأن دعاء الإمام زين العابدين ليس مجرد حاجات يسطرها لرب العالمين ويرجو قضاءها بل هي دروس عالية المضامين وتعلم الفرد كيف يدعو وماذا يقول، وفي الحقيقة هذا ديدن أهل البيت كلهم.
أدعية الإمام زين العابدين أو السجاد (كما يلقب أيضا) التي جمع بعضها في كتاب سمي «الصحيفة السجادية» جديرة بأن توجد في كل بيت وأن يلهج بها المسلم في دعواته، وفي الحقيقة فإن أدعية أهل البيت كلها وليس السجاد فقط تفتح أجواء التوحيد للمسلم وتحببه في ممارسة العبودية لله بشكل يرتقي بنفسه في معراج السمو والتكامل وكيف لا تكون كذلك وهي كلام أهل بيت «زقوا العلم زقا» و«حديثهم حدثني أبي عن جدي عن الباري» كما يقول الإمام الشافعي.
[email protected]