عمدت أستراليا إلى الاعتراف بالقدس الغربية عاصمة للكيان الصهيوني، وهي بذلك تظن أنها ستسعد ذلك الكيان وتراعي العرب وبذلك تظهر وكأنها أمسكت بالعصا من الوسط موازنة بين علاقاتها العربية والإسرائيلية.
لكنها أغضبت الكيان الصهيوني الذي يريد الكيكة كاملة ولا يقبل إلا الانحياز الكامل لصفه.
كما أغضبت استراليا العرب لأنها بدت منحازة للصهاينة وغير مهتمة بالحق العربي، وبذلك وضعت أستراليا نفسها في وضع لا تحسد عليه، لكني أعتقد أن أستراليا أقدمت على هذه الخطوة وهي تعي تماما أن العرب أمة تجيد الكلام وتعدم الفعل وهذا ما حصل تماما، فالاحتجاجات على الخطوة الأسترالية جاءت باهتة ومحدودة.
وفي هذه فقط كان العرب منسجمين مع أنفسهم، حيث لا يمكن أن يستنكروا الفعل الأسترالي في حين يتهافتون على مصافحة الكف الصهيوني الملطخ بدماء الأبرياء من أطفال ونساء عرب.
المحزن في الأمر أن الأمة العربية، شعوبا وليس حكومات، أولت ظهرها لفلسطين وقضاياها بسبب تعاطي الفلسطينيين مع قضيتهم وعدم جدية الحكومات العربية في معالجة هذا الملف، فغدت القضية شعارات يطلقها بعض الزعماء الثوريين وكلمات يلوكها بعض الساسة من غير جهد حقيقي أو التزام فعال.
بل أن الأمة العربية أوكلت لساستها معالجة قضية فلسطين بكل أبعادها رغم أنهم يجدون ضعف التأثير لأولئك الساسة ويلمسون الإخفاق تلو الإخفاق من غير أن يثير فيهم ذلك شيئا.
الأمة العربية التي تتنمر على بعضها تقف ساكنة وهي تتحسس كل يوم صفعة يوجهها هذا أو ذاك لها تتقبلها بكل رضا، وقد شخّص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوضع بكل وضوح في الحديث المروي عنه «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فيسأله بعضهم «ومن قلة نحن يومئذ؟» فيجيبه: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، فقيل له: «يا رسول الله وما الوهن؟» فيقول: «حب الدنيا، وكراهية الموت».
ان كانت الحكومات قد ركنت إلى جانب الراحة والدعة في هذا الملف فما بال جموع العرب لا يرتفع لهم صوت احتجاج أو استنكار كي يعرف العالم على الأقل أن هناك من يغضب أو يرفض الممارسات اللاإنسانية التي تجري على أرض فلسطين.
العرب بيدهم شريان حضارة العالم وباستطاعتهم أن يزلزلوا الأرض تحت أقدام العتاة، ولكنهم كما وصفهم الحبيب المصطفى كغثاء السيل لا فائدة ترجى منهم.
[email protected]