كانت مكة بالخصوص والجزيرة العربية عامة على موعد غير عادي ولا متوقع مع فجر يوم الثالث عشر من شهر رجب قبل البعثة النبوية المباركة، حيث استيقظت بطن مكة وشعابها على خبر غير مسبوق ولم يتكرر بعدها حين لجأت امرأة حامل على وشك الولادة إلى البيت العتيق فانشق لها جدار الكعبة، فتدخل إلى جوف الكعبة المطهرة وتضع وليدها هناك. أما المرأة فكانت فاطمة بنت أسد وأما الوليد فكان علي بن أبي طالب.
وكما كان هذا الوليد مميزا في ولادته كذلك كان مميزا في مسيرة حياته، كيف لا وقد تربى في حجر أعظم رسل الله وأنبيائه، ونهل من أخلاقه الكريمة، حتى تبوأ مراكز عبرت عنها أحاديث نبوية متعددة منها «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» وذلك حين سأل الرسول الكريم صلى الله عليه وآله جموع المسلمين في نهاية حجة الوداع «ألست أولى بكم من أنفسكم؟» ليجيبوه بكل حب وعرفان «اللهم نعم».
فكان علي عليه السلام يقول «وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل.
ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به». وهذه منازل تربوية لم يحظ بها أحد تكشف عن الاندماج والانصهار التام في شخصية الرسول الأعظم.
هذه الشخصية الفذة تركت لنا إرثا ضخما من الأقوال والأفعال والمخاطبات في كل مجالات الحياة الذي رغم بعثرته في مصادر التاريخ ظل محفوظا لكنه بقي للأسف حبيسا صفحات الكتب مهملا من المسلمين الذين كما هو شأنهم غافلين عن الكنوز الفكرية التي تتضمنه ذلك النتاج.
وإذا كان الشريف قد استطاع أن يجمع بعضا من ذلك الإرث في كتابه نهج البلاغة فإن كثيرا غيره لا يزال مسطرا على أوراق كتب التاريخ التي خطها الرعيل الأول من مؤرخي الإسلام.
مثل علي لا يجوز إهماله ولا الاختلاف فيه فهو صنيعة رسول الله صلى الله عليه وآله وهديته للأمة الإسلامية كي تلتمس منه منهج المسير حينما تتعرج طرق الحياة وتلتوي وحين تدلهم عليها خطوب المحن والفتن.
لقد درس غير المسلمين جوانب حياة علي وألفوا فيها الأطروحات والكتب وكشفوا عن محاور عدة فكان منها كتاب جورج جرداق «علي صوت العدالة الإنسانية» فهل يكون غير المسلمين أعرف من المسلمين بشخصياتهم؟!
[email protected]