من هوان الدنيا أن يقومك وتبعا لذلك ينصفك الأجنبي ويغمط حقك أخوك وابن جلدتك. هذا ما حصل فعلا مع أمير المومنين علي بن أبي طالب سلام الله وبركاته عليه، فقد أغفله المسلمون في الوقت الذي أشاد به وأبرزه غيرهم.
فكل جانب من حياة أبي الحسن تجد إسلاما يتجسد فهمها الأجانب على أنها عدالة ورفعة شخصية كيف لا يكون ذلك وقد وسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوسام سماوي، حين قال عنه لما برز لعمرو بن عبد ود «برز الإيمان كله للشرك كله» ورسول الله لا ينطق عن الهوى وإنما يتحدث عن لسان الوحي.
علي بن أبي طالب لم يكن يفتخر حين يفتخر إلا بعمل يقربه من الباري عز وجل فيغدق عليه ذو الجلال والإكرام بالتأييد والموافقة من ذلك قوله عز من قائل (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله). وسبب ذلك كما روى الطبري في تفسيره «أن العباس وطلحة تفاخرا بالسقاية والعمارة هاتين، فقال لهما علي ما أدري ما تقولان ولكني صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد»
علي بن أبي طالب لا ينتظر من المسلمين إنصافه فقد أنصفه رسول الله حين قال له «يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا» وحين حوطه بدعاء لم يتوج به أحدا غيره «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله» فكأن النبي الأعظم صلوات الله وبركاته عليه وعلى آله جعل عليا بهذا الدعاء الميزان الذي يقسم فيه الناس إلى أصحاب الجنة وأصحاب النار.
رجل بهذه المنزلة لا يضره أبدا إن تعمد بعضهم إنقاص حقه ومنزلته أو سعى إلى إبعاد الناس عنه لكن المسلمين هم من يتضررون من مواقف كهذه لأنها تحرم عامتهم من النهل من فيض علم ومسلك وقول شخصية تربت على يد الرسول ونالت حظوة مصاهرته وتشرفت بحمل علومه فصارت هي المدخل إلى علوم الرسول، فجاءت مواقفه قبل أقواله تحمل الفكر النبوي والرؤية النبوية لمناحي الحياة بمختلف محاورها وتقلباتها حيث يقول «علمني رسول الله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب» فأي لب جبار هذا الذي يقدر على هضم ذلك واستيعابه والخوض فيه.
علي بن أبي طالب ليس لفرقة دون أخرى لكن السعيد هو من أخذ جانبه وهو لم يحبس نفسه على مجموعة دون غيرها لكن من سار وراءه هو الرابح، فلماذا يشرق المسلمون ويغربون وعندهم منهل لا ينضب من العلم والفكر والأخلاق والتفسير والتنظير أخذ بكل نقاء وصفاء من منبعه الأساسي وهو قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفمه؟ فلنترك العواطف والميول الشخصية ولننهل من شخص جعله الرسول منه بمنزلة هارون من موسى، وعظيمة تلك اللفتة من الرسول حين يقول إلا إنه لا نبي بعدي فما هي تلك المنزلة التي يستثني منها رسول الله النبوة من بعده؟ أليس في ذلك سبب كاف للمسلمين ليتلفوا حول هذه الشخصية ودعوة مجردة لمعرفة من هو علي بن أبي طالب والاقتداء به علنا نخرج من واقعنا البائس الذي تريد أمم العالم المستكبر أن تغمسنا به.
[email protected]