ربما لا يعرف الكثيرون حقيقة قصة عاشوراء وبداياتها ولماذا هذا الاهتمام بها. وإمعانا في الاجتماع على كلمة سواء ونبذ التفرقة والابتعاد عن المماحكات والاتهامات فأنا هنا أستعرض بإيجاز شديد مقدمات ما جرى يوم العاشر من محرم على أرض كربلاء وأسبابه. علما بأن تفاصيل ذلك مذكورة في أمهات كتب التاريخ مثل تاريخ الطبري وابن عساكر.
تبدأ القصة حين أرسل يزيد بن معاوية بعد وفاة أبيه إلى والي المدينة يطلب منه أخذ البيعة له من أهل المدينة، وخص بذلك عبدالله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي بن أبي طالب، ثم ألحق ذلك بكتاب بالغ السرية بقتل الحسين بن علي إن هو رفض، وبالطبع امتنع ابن الزبير والحسين عن البيعة لقولهما إن يزيدا لم يكن كفؤا للخلافة وغادرا منفردين المدينة قاصدين مكة. حين علم الناس بورود الإمام الحسين مكة وعدم مبايعته ليزيد جددوا مراسلته طالبين منه أن يكون هو الخليفة، ودعاه أهل الكوفة خاصة للقدوم اليهم وأعلنوا انشقاقهم عن الحكم الأموي ومبايعتهم الحسين عليه السلام.
ولما علم يزيد بالأمر أرسل ثلاثين رجلا إلى مكة وأوصاهم بقتل الحسين وإن كان متعلقا بأستار الكعبة، مما اضطر الإمام الحسين إلى مغادرة مكة إلى الكوفة خوفا على حياته واستجابة لدعوة أهلها وكان خروجه يوم التروية والناس متجهون إلى منى وعرفات، وكان قد أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليستجلي له حقيقة الحال في الكوفة. في الطريق التحق خلق كثير بالإمام لاعتقادهم بقرب توليه الخلافة.
وعلم يزيد بالأمر وخوفا من انقلاب الأمر ضده أسند إمارة الكوفة إلى عبيد الله بن زياد بن أبيه المعروف بشراسته وبغضه لأهل البيت وأمره بالقضاء على مسلم وإعادة السيطرة على الكوفة، فكان ما أراد حيث هدد ابن زياد وتوعد وشدد على أهل الكوفة وقتل مسلم بن عقيل وبعضا من أصحابه وسجن آخرين، فأمره يزيد بالقضاء على الحسين فجهز ثلاثين ألف مقاتل لمحاربة الحسين الذي كان في طريقه إلى الكوفة.
وبوصول خبر مقتل مسلم للحسين عليه السلام خطب فيمن معه وأخبرهم بالتطورات وخيّرهم بين البقاء معه أو الانصراف فانسحب أهل الطمع والمصالح وبقي في ثلة قليلة لا يتجاوز عددهم المائة وعشرين على أكثر الروايات.
وما أسوأها من استجابة فالحسين ابن بنت رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ينادي للجهاد ودحض الباطل ولا يلبي طلبه إلا قليل من المسلمين فأي حال كانت تعيش الأمة الإسلامية؟! ثم حوصر الإمام الحسين في كربلاء ومُنع من مغادرتها بل ومنع عنه حتى ماء نهر الفرات الجاري بالقرب منه هو ومن معه من جيش ونساء وأطفال إمعانا في الانتقام منه، وخيّروه بين الموت ومبايعة يزيد فآثر القتل بقوله «وأن الدعي بن الدعي قد ركز اثنتين، بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوس أبية.. على أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام».
واستمر في محاججتهم ومناقشتهم وبيان منزلته وحقيقة دعوته وضلال سعيهم ثم قال لهم: «يا ويلكم! علام تقاتلوني، على حق تركته، أم على سنة غيرتها، أم على شريعة بدلتها» فأجابوه «نقتلك بغضا لأبيك» الذي قضى على أسلافهم لكفرهم في بداية الدعوة الإسلامية.
ثم وقعت المعركة التي كانت أبشع معركة ولم يكن لها مثيل حتى في الجاهلية حيث أظهر فيها الجيش الأموي أقسى ألوان الحقد واللؤم واتبع أحقر أساليب القتال، ولم يسلم منهم حتى الطفل الرضيع أو المرأة الضعيفة على نحو أبكى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يوم ولادة الحسين وهو يخبر عما سيلاقيه فيما بعد كما أخبره الأمين جبرئيل عليه السلام عن الباري جل وعلا.
هذه باختصار مقدمات معركة عاشوراء من الضروري معرفتها كي نفهم ما جرى على صعيد كربلاء وسبب الاهتمام بها هذا الاهتمام البالغ ليس من الشيعة فقط بل من جميع الطوائف والأديان، ولعلنا نروي ما جرى صبيحة يوم العاشر من محرم في موضع آخر.