في مثل هذه الأيام يسير ركب بنات وأطفال الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وهن سبايا أسارى وحيدات ليس معهن أي رجل من أهلهن إلا الإمام زين العابدين الأسير مثلهن تحدى بهن إبل ضالعات من غير غطاء ولا حماية من شمس أو حر يسوق الركب عتاة جيش ابن زياد الذين تلوثت أيديهم بدماء أهل البيت، يسيرون بهذا الركب بتلك الحالة المزرية لأنه لا يمكن لقاتل أو سفاك أن يهتم بحالة أسيرة أو يعتني بشؤون طفلة من أسراه وينقلها من بلد إلى بلد من العراق إلى دمشق.
هذا الأسر نكسة أخرى في الأخلاق العربية حين قامت القبائل العربية في الكوفة بإخراج نسائهم من الأسر، تاركين بنات النبي الذي أوصى أمته بهن.
وفي كل من الكوفة ودمشق الشام حاول الحاكمان الانتقاص من هذه الكوكبة النسوية من الأسرى وإهانتهن فانبرت لهما بنات الرسالة بأرقى الكلمات وأبلغ التعابير لبيان كذبهما وتدليسهما على الأمة حينما أوهما جموع الحاضرين في مجالسهما بأنهما قضيا على فتنة بعض الخوارج بقتلهما الإمام الحسين وصحبه.
وقد بلغ التحدي أقصاه حين قالت زينب بنت علي بن أبي طالب ليزيد «فكد كيدك وناصب جهدك فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا» دلالة على انتمائها لبيت الوحي والتنزيل فزالت الغشاوة عن أعين الكثيرين من أهل الكوفة والشام ووقع الاضطراب والاستنكار من الناس ووقع بعض القتال فأسرع الحاكمان بإخراج السبايا.
ما أريد أن أقوله هنا إن النساء الأسيرات لم يوقفهن حالهن البائس من أن يصدحن ببيان هدف الحسين من نهضته وخروجه ولم يمنعهن حزنهن والشقاء الذي كن يعشن فيه من أن يواصلن مواجهة الانحراف عن جادة الإسلام الأصيل وتوعية الناس بما حصل ولماذا حصل فكن لسان الحسين الحي وصرخته المدوية التي قرعت أسماع الغافلين والجاهلين والمستسلمين فعرف الناس هول المصيبة وعظم المأساة وحقيقة الأمر فانتفضوا على الحكم القائم آنذاك.
وبذا كان تسيير السبايا هو المرحلة الثانية من واقعة كربلاء، المرحلة التي كانت يجب أن تكون كي يكون لعاشوراء معنى وأثر، وقد قامت بها بنات فاطمة وخاصة السيدة زينب خير قيام، وهنا تتجلى حكمة اصطحاب النساء إلى كربلاء، وقد أظهر ذلك كذب وأنانية من كانوا يسمون أنفسهم عربا الذين تخلوا عن مبادئ العروبة ونخوتها.
ثمة درس أخير أحب أن أسلط الضوء عليه وهو الدور السياسي للمرأة والذي يحرص الإسلاميون في وقتنا على تهميشه ليستفردوا هم بالسيطرة والسلطة.
لقد سجلت زينب بنت علي وأخواتها بعد كربلاء أوضح معارضة سياسية فاعلة، بل رسمت كيف يمكن للمرأة أن تمارس السياسة وتنجح فيها وأي سياسة يجب أن تنخرط بها المرأة.
للمرأة دور رشيد في تصحيح المسار السياسي دون أن تتنازل المرأة عن حدودها التي خطها لها الإسلام، فلا ابتذال ولا تطفل ولا استجداء للعطف ولا استعطاف المساندة بل قوة المنطق وصلابة المطلب وصدق الحديث ونظافة اليد وعفة النفس مع عمق الحوار والإحاطة الكاملة بالوضع والمعرفة الدقيقة بالأحكام وفوق ذلك كله ابتغاء رضا الله وعفوه.
ولم تك الفاطميات وزينب خصوصا في معارضتهن بدعاً من النساء فقد تربين في بيت المعارضة وتعلمن أصولها فإلى جانب جدهن النبي الأكرم أكبر المعارضين لعتاة قريش ومردتها هناك جدتهن خديجة أم المؤمنين التي كانت أول معارضة لقريش، كما سبقتهن أمهن فاطمة بنت النبي.
لقد تربت الفاطميات المسبيات في مهد النساء اللواتي كان لهن شأن وموقف في الحياة الاجتماعية وأدلين بآراء سياسية ذات أثر.
المعارضة السياسية ليست وقفا على الرجال ومن الخطأ حصرها بالرجال فقد تكون كلمات ومواقف النساء أبلغ أثرا شريطة ألا يكون فيها تميع وابتذال ومزاحمة للرجال فلكل دوره.
[email protected]