لا شك عندي أن الوزيرة جنان بوشهري قد أبدت شجاعة فائقة في ختام استجوابها وهي توضح سبب تعثر أدائها أو قل تباطؤه، فأخذت أيضا تعري الوضع القائم ثم تركت الحكم في ذلك لضمائر الرجال فخذلوها وتآمروا عليها فطالبوا بطرح الثقة بها، ولا يضرها ذلك، فلقد قالت وبكل رباطة جأش «أنا أواجه استجواب المقاولين والشركات ولا أواجه نواب الأمة بل نواب المقاولين والشركات»، عبارة بائسة كان يجب على مجلس الأمة والحكومة والشعب الكويتي أن ينتفضوا من هول هذه الكلمة والاتهام، يا الله ما أعظمها من كلمة! نواب المقاولين والشركات! هكذا وبالفم المليان! ويمر القول بسلام ولم يهز شعرة في جسم المجلس وهو المعني الأول بهذا القول.
كيف أن مجلسنا يوصم بأنه «ليس كله بالطبع بل أعضاء فاعلون فيه» يلهث خلف التجار وشركات المقاولات وكيف أن بعض النواب وكما بينت الوزيرة سعوا لرفع الإيقاف عن شركات تلاعبت بمصالح الشعب الكويتي، وكيف أن بعضهم الآخر سعى إلى تعيين المحسوبين عليه في مواقع قيادية في الوزارة.
هذه الأمور كان تتداول في الصحافة والديوانيات والمجالس الخاصة فتبقى محصورة في دائرة التقول والهمس، لكن الوزيرة بجرأتها أعلنتها جلية مدوية أنها تعرضت لهذا النوع من التدخل وحين رفضت كان الاستجواب ومن بعده طرح الثقة والكرة الآن في ملعب الأمة والكلمة الآن للشعب الكويتي الذي أرجو ألا تأخذه العاطفة ليس في إنصاف الوزيرة فحسب بل بالتنادي لكشف أولئك الذي عنتهم الوزيرة في ختام مرافعتها وإزالتهم من مواقعهم ومحاسبتهم محاسبة لا هوادة فيها وانتزاع حقوق الوطن من بطونهم.
إذا كان ما يسمى بالحراك قد شل البلد بدعوى الإيداعات المليونية ونادى بتعرية القبيضة وهي أمور لم نلمس حقيقتها لحد الآن فليقل هذا الحراك كيف يجب أن يواجه هذا الاتهام الذي جاء بشكل رسمي ومن دون مواربة أو تحامل وكيف سيتعامل معه وكيف سيقضي عليه؟
لدينا الآن دليل دامغ على كيفية تسيير الأمور في هذا البلد وإذا شككنا يوما أن مقاولا متخفيا كان وراء استجواب وزير الأشغال الأسبق د.فاضل صفر فإننا اليوم وبكلام وزيرة الأشغال المستقيلة ندرك تماما ونعي بتيقن أن المقاولين يستطيعون الإطاحة ليس بوزير فقط، بل بحكومة كاملة وأنهم على أتم الاستعداد لشل حركة الإصلاح والعمل إن أوقفت مصالحهم الشخصية ومخططاتهم لنهب البلد وتشويه مسيرته.
ألم نقرأ في الصحف أن وزارة الأشغال ألغت مشاركة الشركات المتعثرة في مناقصات الدولة غير أن لجنة المناقصات فرضت اشراكهم في مشاريع الدولة؟ إذا كانت المؤسسات الحكومية لا تحترم بعضها ولا تأخذ بقرارات زميلاتها من أجهزة الدولة وبشكل ذات الاختصاص فكيف نلوم الوزيرة إذا تعثر أداؤها؟ ومن الواضح أن ذلك التعثر مقصود مع سبق الإصرار والترصد، فخلف كل ذلك مقاول موتور أو نائب متربح.
إن المنصب الوزاري غير دائم لأحد والأيام دول بين الناس فمن يبقى هو الأصلح، لكن من المؤلم أن يجري الفساد والإفساد على أيدي أبناء البلد، وأي أبناء! إنهم علية القوم الذين يريدون أن يوهمونا بأن سبب مشاكلنا الوافدون في حين إنهم هم من يغرق البلد بالأعداد الغفيرة من هؤلاء المساكين ويشتري أحلامهم بوهم العمل ثم يمارس عليهم أشد أنواع الاستغلال والاستعباد ويضع مقدرات وأسرار البلد بأيدي قلة منهم.