محمد الخالدي
مبروك للكويت نجاح عرسها الديموقراطي، ومبروك للنواب ثقة اهل الكويت بهم، بات واضحا ان لدينا اليوم خطابين حول العلاقة بين السلطتين أو بين اعضاء البرلمان انفسهم، خطاب «التمني» الذي ينظر للأمور من زاوية «ما ينبغي أن يكون»، وخطاب «الواقع» الذي ينطلق من قراءة الاحداث وتوجهات النواب القادمين، وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة لاتزال في طور التشكيل ولم تتحدد ملامحها حتى الآن إلا أن القضايا المطروحة للنقاش في المجلس والتي اعلن عنها بعض النواب المنتخبين خلال حملاتهم الانتخابية، تشير الى استمرار حالة التأزيم بغض النظر عن التشكيل الحكومي الجديد، وهو امر لا يدعو الى التفاؤل مع الاسف الشديد فالمشكلة لم تعد تتعلق بخلاف في وجهات النظر بين الحكومة والمجلس بقدر ما اصبحت «صراعا» اجتماعيا بين النواب انفسهم على قضايا لا علاقة لها بالتنمية ولا البناء ولا السياسة، وإنما هو صراع طائفي من جهة وصراع حضر وبدو (بالمعنى المتداول في الشارع الكويتي) من جهة ثانية.
الصراع الاجتماعي يختلف عن الصراع السياسي، في السياسة تستطيع ان تناور وتنتقل من موقف إلى آخر وتحقق مكاسب سياسية بالتدريج، اما الصراع الاجتماعي فهو مسألة اثبات وجود لا مجال فيه للتنازلات ولذلك نجد ان الحروب الاهلية والتي يكون محركها الاساسي مسألة اجتماعية كالدين أو العرق تستمر لسنوات طويلة تحرق فيها الأخضر واليابس كما يعلمنا التاريخ، فإذا تأملنا في القضايا التي اصبحت تمثل اولوية عند بعض النواب مثل قضية مزدوجي الجنسية وهدم المصليات غير المرخصة والتجنيس وغيرها فإننا نشاهد بكل اسف ملامح صراع خطير يهدد امن المجتمع ووحدته الوطنية، نستطيع ان «نضحك» على انفسنا بكلام طيب ونردد بكل سذاجة «نتمنى أن يسود التعاون بين الجميع» وغيرها من العبارات الجميلة ولكن الواقع ان حديث الامنيات هذا لا يبني أوطانا ولا يؤسس مجتمعا متماسكا، لدينا مشكلة اجتماعية تلوح في الأفق ومجلس 2009 ما هو إلا ساحة معركة ستغرس فيها خناجر الصراع التي كانت تسن طوال فترة الحملات الانتخابية في أوصال الوطن.
ما نحتاجه اليوم ليس حديث الأمنيات وعبارات المجاملة المنمقة، ما تحتاجه الكويت اليوم «عمل» حقيقي يضع حدا لهذا الاستهتار الآخذ في تمزيق وحدة المجتمع، ان نقرأ الواقع وندرك اي نفق مظلم هذا الذي يجرنا اليه بعض النواب القادمين، فانتخاب 4 نساء لن يكون عصا موسى كما يتصور البعض مع احترامنا الشديد لهن، فالحديث ليس عن كفاءتهن بالتأكيد، والسؤال الآن لم يعد يتعلق بما سينجزه المجلس القادم، بقدر ما هو سؤال عن موعد الحل القادم طالما ان عناصر التأزيم المتمثلة في بعض النواب وطريقة التعامل مع القضايا الاجتماعية وكذلك مفاهيم التعامل مع الحكومة لم تتغير، ويكفي أن نتأمل في العبارات التي نستخدمها لوصف نتائج الانتخابات ومن فاز فيها وما هي الاسئلة البرلمانية الأولى التي أعلن بعض النواب عن نيتهم لطرحها لوزير الداخلية لندرك إلى أين نحن سائرون.