في جوابه عن سؤال: لماذا تدعم أميركا إسرائيل؟ قال الفيلسوف الأميركي المعاصر نعوم تشومسكي (فيلسوف أميركي ـ يهودي من أكبر المعادين للصهيونية والهيمنة الأميركية والرأسمالية المتوحشة): ان هناك تاريخا طويلا يقف وراء ذلك، يبدأ أولا مع «الصهيونية المسيحية» والتي هي أقدم وأكثر قوة وشراسة من «الصهيونية اليهودية»، ويؤكد أن الصهيونية المسيحية ازدهرت في انجلترا تحديدا بين النخبة السياسية في أوائل القرن العشرين، وكان «وعد بلفور» أحد نتائجها حيث قدمت بريطانيا الدعم الكامل للحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين عام 1948.
ويشير تشومسكي إلى استشهادات السياسيين البريطانيين والأميركان من الانجيل حول «أرض الميعاد» (باللغة العبرية كلمة «إرتس يسرائيل» تعني «أرض إسرائيل» وهي عندهم أرض الرب التي اختارها لبني صهيون حيث تفوق قدسيتها أي قدسية أخرى، وهي بالمناسبة حدودها من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق !)، ويؤكد أن «الرئيس الأميركي الأسبق وودر ويلسون كان مسيحيا متدينا يقرأ الانجيل كل يوم، وكذلك الرئيس الأسبق هاري ترومان..»، ولذلك كان هارولد ديكي (أحد القياديين الكبار في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت) يردد أن «عودة اليهود إلى فلسطين هي أعظم حدث في التاريخ، وتحقيق فعلي لتعاليم الانجيل!»، ويضيف تشومسكي أن هناك سببا آخر يتعلق بثقافة الاستعمار التي تمثل جزءا أصيلا من تاريخ وتكوين الغرب الأميركي والأوروبي، ويرى أن تمكين الصهاينة من احتلال فلسطين «هو المحطة الأخيرة من رحلة الاستعمار الغربي».
كما يؤكد تشومسكي أن الدول التي تدعم الكيان الصهيوني المحتل «إسرائيل» ليس فقط أميركا وبريطانيا، وإنما أيضا استراليا وكندا، ويشير بذكاء إلى أن هذا الاستعمار الجديد لا يشبه استعمار البريطانيين للهند أو الفرنسيين للجزائر، وإنما يتخذ شكلا أكثر عدوانية وعنصرية وإرهابا حيث يقوم المستعمر هنا (الصهاينة) بمحاولة طرد السكان الأصليين من أرضهم.
ويستمر تشومسكي في تحليل أسباب دعم الغرب للكيان الصهيوني المحتل ويقول بأنه في عام 1948 كان هناك انقسام حاد بين وزارة الخارجية ووزارة الدفاع في الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع «دولة إسرائيل»، حيث لم تكن وزارة الخارجية ملتزمة بقوة تجاه الاحتلال وتأسيس دولة إسرائيل، وإنما كانت مهتمة أكثر بقضية اللاجئين، بينما كان جنرالات الپنتاغون معجبين جدا بالجيش الإسرائيلي وبما يحققه من نجاحات عسكرية، ولذلك لطالما اعتبرت إسرائيل ذراعا عسكرية لأميركا وبريطانيا في الشرق الأوسط، ويؤكد أن الكيان الصهيوني قدم لأميركا خدمات جليلة منذ البداية، منها تدمير مشروع القومية العربية الذي كان «العدو الأول للولايات المتحدة آنذاك»، كما أن هذا الكيان الصهيوني دعم «الإسلام المتطرف» حسب خطة أميركية محكمة بهدف تدمير الإسلام نفسه بعد وصمه بالإرهاب وهو ما يجري بكل نشاط هذه الأيام.
****
في كتابه المهم «اليهود انثروبولوجيا» الصادر عام 1967، أثبت المفكر والجغرافي المصري العبقري د. جمال حمدان أن 95% من اليهود المعاصرين ليسوا فعليا أحفاد اليهود الذين خرجوا من فلسطين، وهذا يهدم الحجة الصهيونية الكبرى التي يدعونها بأن دماءهم لم تختلط مع أي شعوب أخرى وأنهم هم النسل المباشر لبني إسرائيل (شعب الله المختار)، كما أثبت بالدليل التاريخي أن عداء هتلر لليهود لم يكن لأسباب دينية وإنما بسبب طريقتهم في الحياة والتي تتسم بالحقد والتعالي والكذب والخداع واستغلال معاناة الآخرين وكأنهم طفيليات تقتات على البقايا.
هاتان الحجتان هما أهم حجج الصهاينة التي هدمها جمال حمدان.. لذلك لا غرابة أنهم قاموا باغتياله عام 1993.
[email protected]