يقول الفيلسوف الفرنسي الوجودي جان بول سارتر: نحن لا نكتشف أنفسنا في عزلة ما، وإنما في وسط المدينة، بين الناس، شيئا بين الأشياء، أفرادا بين البشر.
> > >
أحلم منذ سنين بتأليف كتاب، لدي آلاف القصاصات ومخطط جاهز منذ فترة طويلة.. لا أبالغ إن قلت إنها تعود لأيام الدراسة الجامعية في بداية التسعينيات من القرن الماضي. هل تتخيلون حلما بهذه البساطة كيف يمكن أن يأخذ كل هذا الوقت.. دون أن يتحقق؟!
الغريب أنني كتبت خلال بضع سنوات عدة مقالات وأخبار وتقارير ولقاءات صحافية ما يكفي لملء 10 كتب مما أحلم بتأليفه.
يوما ما سأحقق حلمي.. بإذن الله.
> > >
في قهوة صغيرة بشارع «لودفيج شتراسه» وسط ميونخ، ومن أمام جامعة لودفيج ماكسيمليان العريقة، هذا المكان الذي يحتل في نفسي مكانة وحنينا لا يوصف، جلست أقرأ كتاب «الشعر الشعبي للنساء البشتون» للشاعر والأديب الأفغاني سعيد بهاء الدين مجروح، والذي تم قتله غدرا بسبب هذا الكتاب.
يصف مجروح شعر «اللانداي» بأنه شعر شعبي، ابتكرته المرأة الأفغانية للتنفيس عن مشاعرها المكبوتة، في مجتمع ذكوري يقمع المرأة في كل حالاتها، فتجد العزاء في ترديد أبيات قصيرة تغنيها بمواويل حزينة حين يشتد عليها غضب الذكور. قصائد اللانداي تتكون من بيتين من الشعر غير المقفى، أشبه بتنهيدة أو زفرة أنفاس حارة تطلقها الأفغانية عن قسوة واقعها.. وكلمة «لانداي» بالأفغانية تعني حرفيا «الموجز» أو «القصير».
تقول إحداهن في نبرة سخرية:
هل يمكنك أن تموت في ساحة الشرف، يا حبيبي!
كي تتغنى الفتيات بنصرك كلما ذهبن لجلب الماء من النبع؟
وتخاطب أخرى قبرها فتقول:
أيها اللحد الخراب، أيها القرميد المشتت، لم يعد حبيبي سوى رماد
وريح السهل تذروه بعيدا عني.
ناديا أنجمن الصحافية والشاعرة الأفغانية التي قتلها زوجها عام 2005 بمجموعة من اللكمات الوحشية على وجهها وهي ابنة الخمسة والعشرين عاما، ربما تعطينا تصورا كافيا عن هذا الشعر وذاك الواقع. تقول أنجمن:
ها قد وصلن،
فتيات خلقن بأرواح مكسورة،
أجساد مجروحة،
وجوه لم تذق طعم السعادة،
قلوب شاخت وتهشمت،
شفاه لم تعرف الابتسامة،
وعيون جافة لا تذرف الدموع.
في ذلك المكان، قال لي صديقي.. ما الذي يمنعك من الكتابة وأنت «حر» بلا عمل ولا قيود؟
قلت له: بعض الناس يبدون مثل ساعة سويسرية، بسيطة وهادئة من الخارج، لكنها تحمل في داخلها آلاف التروس الصغيرة، تتحرك وتعمل بكل تعقيد.
> > >
في أعمال الفنان التشكيلي الفرنسي برونو كاتالانو وصف مرعب لواقع الإنسان المعاصر.. حيث تنتصب تماثيله البرونزية التي تجمع الكتلة والفراغ على سواحل كثير من المدن، تحكي بصمت ما تتركه الهجرة والترحال المستمر من فراغ في قلوب الأهل والأحباب.
> > >
ما أكثر النصوص التي تعلق في الذاكرة.. مقولة لفيلسوف أو مثل شعبي ملهم، أو بيت شعر حزين يلامس الجروح. بالنسبة لي، قصيدة «البقاع.. البقاع» للشاعر العراقي مظفر النواب حين يقول:
لم يعد في المحطة إلا الفوانيس خافتة،
وخريف بعيد.. بعيد،
كأنك كل الذين أرادوا الصعود،
ولم يستطيعوا، أو انتظروا،
وتترك حزنك بين المقاعد.. ترجوه يُسرق!
[email protected]