رسميا.. يتبقى خمسة أشهر على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (اختصاره بريكسيت)، والمقرر له 29 مارس 2019 موعدا نهائيا، وإلى اليوم لم يتفق الطرفان - بريطانيا من جهة، والاتحاد الأوروبي من جهة - على الصيغة النهائية للخروج، إذ لاتزال بعض القضايا محل خلاف بينهما، أهمها وأكثرها تعقيدا هو ملف الحدود بين مقاطعة إيرلندا الشمالية (عاصمتها بلفاست)، وهي مقاطعة تابعة لبريطانيا، وبين جمهورية إيرلندا (عاصمتها دبلن) وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
إذ تشكل كل من مقاطعة ايرلندا البريطانية وجمهورية إيرلندا ما يسمى «جزيرة ايرلندا» التي تقع شمال شرق المحيط الأطلسي، وترتبط المقاطعة مع الجمهورية بحدود برية مشتركة تمتد على مساحة أكثر من 300 كيلومتر، وهو أمر يتطلب الحسم لا شك، إذ يرتبط الأمر بموضوع تنقل الأفراد والبضائع وبالتالي الجمارك والرسوم.
مؤخرا، رفضت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي المقترح الأوروبي (مقترح باك ستوب)، وقالت: «هذا المقترح يفترض إقامة حدود جمركية في بحر إيرلندا وهو ما يهدد وحدة وسلامة أراضي المملكة المتحدة، ولا أظن أي رئيس وزراء بريطاني يمكن أن يقبل به، وأنا لن أقبله».
الجانب الأمني في موضوع الحدود بين مقاطعة إيرلندا الشمالية وبين جمهورية إيرلندا ربما ينبئ بمخاطر أكبر أهمية من موضوع الجمارك والرسوم، إذ تعيد فكرة إعادة إغلاق الحدود ووضع أسلاك شائكة ونقاط تفتيش ومراكز مراقبة إلى الأذهان الصراع الطائفي الدموي الذي اشتعل بين البروتستانت والكاثوليك من سكان كلا المنطقتين.
سكان ايرلندا الشمالية وغالبيتهم من البروتستانت كانوا منذ البداية ضد «بريكسيت»، ولا زالوا يطالبون بإلغاء نتيجة الاستفتاء الشعبي والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي، أما الأقلية الكاثوليكية منهم فيعتبرون أنفسهم جزءا أصيل من «جزيرة إيرلندا» وهم يرفضون تماما فكرة إقامة حدود بين ما يعتقدون أنه «بلد واحد وشعب واحد».
بينما سكان جمهورية إيرلندا غالبيتهم كاثوليك، ومنهم منظمة «الجيش الجمهوري الايرلندي» الكاثوليكية، وهم من خاض صراعا دمويا مريرا للمطالبة بضم إيرلندا الشمالية، حيث شهدت الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي تفجيرات شبه يومية في ساحات بلفاست وغيرها، ولا يزال الراديكاليون وهم الأغلبية في جمهورية إيرلندا يعتبرون ايرلندا الشمالية «أرضهم التي تحتلها بريطانيا».
ويتخوف المراقبون من إحياء هذه النعرات الطائفية العنيفة إذا ما تم اغلاق الحدود بمراكز وأسلاك. خاصة وأن كثير من المنظمات العسكرية الشعبية لاتزال موجودة في كلا جانبي إيرلندا.
****
رغم قتامة المشهد الذي تلوح فيه نذر عواصف العنف، إلا أن المهم في الموضوع أن كل شيء مطروح للنقاش العام والمفاوضات السياسية عبر قنوات رسمية تحاول جاهدة منع تدهور السلام، والذي بات مهددا في جميع دول العالم، مع تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة، والخطابات الشعبوية التي وكأنها تعيد انتاج «هتلر» جديد.. لكن بنسخ كثيرة هذه المرة !
[email protected]